كتاب المحاضرات والمحاورات

لأكل لحومهم خوانا؟ ملأه بذكر المساوىء وثلب الأعراض، وفوّق فيه سهاما على قدر أغراضه والأعراض هي الأغراض، جعل لحم المسلمين من جملة طعامه وآدامه، واستغرق في أكلها أوقات فطره وصيامه، ولم بفرّق فيه بين جليل وحقير، ولا بين مأمور وأمير، ولا بين مرؤوس ورئيس، ولا بين رخيص القدر وغال نفيس، وامتد حتى إلى العلماء الأعلام، وقضاة القضاة ومشايخ الإسلام، وأرباب المناصب والحكام، وهو على هذا حقير نقير، لا يباع في سوق العلم بقطمير، لا نسبه في الأنساب عال، ولا حسبه إذا قوّمت الأحساب غال، ولا يزداد إلا جهلا على كر الأيام وممر الليالي» [1] ، وعلى هذا المنوال يمضي السيوطي في هجاء السخاوي والنيل منه، وكان السخاوي شديدا على السيوطي حين ترجم له في كتابه الضوء اللامع، وقد اتهم السيوطي بسرقة بعض مؤلفاته، والإغارة على كتب المكتبة المحمودية، واغتصاب الكتب القديمة التي لا عهد للمعاصرين بها، وكان من خصوم السيوطي الأشداء فضلا عن السخاوي كل من: أحمد بن الحسين بن العليف، والبرهان ابن الكركي، وأحمد بن محمد القسطلاني، والشمس الجوجري، والشمس الباني، وقد أفرد السيوطي لبعض خصومه مقامة أو رسالة في الرد عليه وهجائه أقسى هجاء، فألف عن ابن الكركي مقامة باسم: (الدوران الفلكي على ابن الكركي) [2] ، وفي رسائله ومقاماته نجد ردوده على خصومه وإن لم يذكر في بعضها أسماءهم، من ذلك مقامة باسم: (طرز العمامة في التفرقة بين المقامة والقمامة) ، ورسالة باسم: (القول المجمل في الرد على المهمل) ، وغير ذلك، وكان ممن وقف ينافح عن السيوطي وينصره تلميذه ابن إياس (المتوفى سنة 930 هـ) ، وجاء بعد ثلاثة قرون محمد بن علي الشوكاني (المتوفى سنة 1250 هـ) ليدافع عن السيوطي وينصفه ويرد على مزاعم السخاوي [3] .
إن خصوم السيوطي لهم ما يبرر خصومتهم، فالسيوطي قد نال منزلة كبيرة في علمه وجاهه، وزاد حسد حساده وخصومة خصومه، حين عهد إليه الخليفة المتوكل على الله عبد العزيز، بوظيفة قاضي القضاة سنة 902 هـ، يولي من يشاء ويعزل من يشاء، فكبر ذلك على القضاة وقالوا: «ليس للخليفة مع وجود السلطان حلّ ولا ربط، ولا ولاية ولا عزل، ولكن الخليفة استخف بالسلطان لكونه حديث السن.. فلما قامت الدائرة على الخليفة، رجع عن ذلك، وبعث أخذ العهد الذي كتبه للشيخ جلال الدين السيوطي..
وكادت أن تكون فتنة بسبب ذلك» [4] .
__________
[1] شرح مقامات السيوطي 2/933.
[2] شرح مقامات السيوطي 1/371.
[3] البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع 1/333.
[4] بدائع الزهور 3/339.

الصفحة 12