كتاب بحوث ومقالات في اللغة والأدب وتقويم النصوص (مقالات محمد أجمل الإصلاحي)

لحديثه فيما بعد عن غريب القرآن إذا صرح فيه بأن "أول من صنّف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنى، قم قطرب بن المستنير، ثم الأخفش ... ". ولكن الحافظ أبا عبد الله الحاكم النيسابوري (405 هـ) قال جازمًا: "فأول من صنّف الغريب في الإسلام النضر بن شميل له فيه كتاب، هو عندنا بلا سماع. ثم صنّف فيه أبو عبيد القاسم بن سلام" (1). نقل أبو عمرو ابن الصلاح (643 هـ) قول الحاكم في مقدّمته، ثم عقّب عليه: "ومنهم من خالفه، فقال: أول من صنّف فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى" (2).
وقد أيّد شمس الدين السخاوي (902 هـ) في فتح المغيث قول الحاكم، فقال: "وهو الظاهر"، واستدلّ بأن النضر بن شميل "مات في سنة ثلاث وثمانين ومائة" ثم أكدّ ذلك حينما نعى علي ابن الأثير (606 هـ) والمحب الطبري (694 هـ) ذهابهما إلى القول الثاني "مع أن وفاته - يعني أبا عبيدة - كانت في سنة عشر ومائتين بعد الأول - يعني النضر - بسبع وعشرين عامًا (3).
ولا ريب أن ما قاله السخاوي وهم محض، فلا خلاف بين المؤرّخين أن النضر بن شميل توفّي سنة 203 هـ وقيل سنة 204 هـ (4). ولا حقيقة لهذا القيل إلا أنه "مات في آخر يوم من ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين، ودفن في أول
__________
(1) معرفة علوم الحديث: 88. وعليه اقتصر السيوطي في كتاب الوسائل في مسامرة الأوائل: 101.
(2) علوم الحديث: 372. لخص السيوطي في آخر المزهر 2: 295 - 414 كتاب مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي (351 هـ) وجاء في ضمن ترجمة أبي عبيدة (2: 402): "وهو أول من ألفّ في غريب الحديث" والسياق يدلّ على أن ذلك من كلام أبي الطيب مثل سابقه ولاحقه، ولكن هذه الجملة لا توجد في الكتاب المطبوع بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.
(3) فتح المغيث 4: 24. كذا في المطبوع "بسبع" والصواب: بسبعة.
(4) نزهة الألباء: 75.

الصفحة 16