كتاب فتح رب البرية في شرح نظم الآجرومية

[الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة؛ إلا أنَّ الرحمن أشدُّ مبالغةً من الرحيم، لأنه على وزن فعلان يدل على الامتلاء كغضبان وعطشان. وهو أيضًا أكثرُ حروفًا من الرحيم. وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى غالبًا.
[الرَّحْمَن] عامٌّ من جهة المعنى، خاصٌّ من جهة اللفظ، من جهة المعنى = الرحمة عامة تشمل الكفار والمسلمين والبهائم ونحوها. ومن جهة اللفظ = خاصٌّ لا يطلق إلا على الله عزَّ وجلَّ. وأما إطلاق أهل اليمامة ذلك على مسيلمة الكذاب فهو من باب تعنتهم وكفرهم قال قائلهم:
سَمَوْتَ بِالمَجْدِ يَابنَ الأَكْرمَينِ أَبًا ... وَأَنْتَ غَيْثُ الوَرَى لاَ زِلْتَ رَحْمَانَا
وقد ردَّه بعضُ الأدباء بقوله:
خُصِّصْتَ بالمقْتِ يَابْنَ الأَخْبَثَينِ أَبًا ... وَأَنْتَ شَرُّ الوَرَى لاَ زِلْتَ شَيطَانًا
[الرَّحِيم] خاصٌّ من جهة المعنى، عامٌّ من جهة اللفظ. من جهة المعنى = خاص بالمؤمنين قال تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} (الأحزاب:43) أي لا بغيرهم؛ لأنَّ تقديم ما حقه التأخير يفيد الاختصاص، والأصل وكان رحيمًا بالمؤمنين، {بِالْمُؤْمِنِينَ} جار ومجرور متعلق بقوله رحيمًا، فقُدِّم ما حقه التأخير عن عامله وهو المعمول فأفاد القصر أي بالمؤمنين لا بغيرهم. ومن جهة اللفظ = عامٌّ يصح أن يطلق على غير الله تعالى تقول: جاء زيد الرحيم. ومنه قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ

الصفحة 10