كتاب فتح رب البرية في شرح نظم الآجرومية

أحمد الله، فحينئذٍ كان متعلَّقُ الحمدِ شأنَ العبدِ. وشأنُ العبدِ متقلِّبٌ، فقد يكون في سرَّاء، وقد يكون في ضرَّاء. وفي الحديث: «عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمرَه كلَّه خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضرَّاءُ صبر فكان خيرًا له» إذًا حالُه متقلِّبٌ بين الحالين؛ فحينئذٍ يُحمَد الرَّبُ جلَّ وعَلا على السَّراءِ والضَّراءِ، وهذا أمرٌ حادثٌ ومتجدِّدٌ، يوجد بعد أن لم يكن شيئًا فشيئًا، فحينئذٍ ناسب أن يأتي بالجملة الفعلية الدالة على التجدد والحدوث، كُلَّما وُجدتِ النِّعمةُ سواء كانت سرَّاءَ فشكرَ، أو ضرَّاءَ فصبرَ وُجِدَ الحمدُ، بخلاف الجملة الاسمية فإنها تدل على الثبوت والدوام. [اللهَ] منصوبٌ على التَّعظيمِ، مفعولٌ به مُقدَّم. [أَحْمَدُ] فعل مضارع متأخر، إذًا قدَّمَ ما حقُّه التأخير، والقاعدة العامة = أنَّ تقديمَ ما حقُّه التأخيرُ يُفيد الحصر والقصر، وهو إثباتُ الحكمِ في المذكور ونفيُه عمَّا عَداه. وإثباتُ الحكمِ هنا هو الحمد، للمذكور وهو الربُّ جَلَّ وعَلا ونفيُه عمَّا عدا الله سبحانه. إذًا لا يَستحق الحمدَ الكاملَ إلا اللهُ عَزَّ وجَلَّ كأنَّه قال أحمدُ اللهَ لا غيرَه. ومثله قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} (الفاتحة: من الآية5) أي نعبدُ اللهَ لا غيرَه. [اللهَ فِي كُلِّ الأُمُورِ أَحْمَدُ] في كُلِّ الأمورِ مُتعلِّقٌ بقوله: أحمد. [أَحْمَدُ] مُشتَقٌ من الحمد، وهو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: ذِكرُ محاسنِ المحمودِ معَ حُبِّه وتعظيمهِ وإِجلالهِ. سواءٌ كانت هذه المحاسنُ صفاتٍ لازمةً أوصفاتٍ متعديةً. فيُحمدُ الرَّبُ جَلَّ وعَلا على كُلِّ صفةٍ اتَّصفَ بها سواءٌ كانت صفةً ذاتيةً أم فعليةً. ثُمَّ بعد

الصفحة 14