كتاب فتح رب البرية في شرح نظم الآجرومية

الحمدلة والثناء على الله بما هو أهله عقبه بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم إظهارًا لعظمة قدره، وأداءًا لبعض حقوقه الواجبة، وامتثالا لقوله تعالى: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب: من الآية56)) فقال: [مُصَلِّيًا] بالنَّصبِ، حالٌ مِن فاعلِ [أَحْمَدُ] أي أحمدُ اللهَ في كُلِّ الأمورِ حالةَ كوني مُصليًا على الرسول. فهي حالٌ مقارِنةٌ مِن فاعلِ أحمدُ المستتر، ومقارَنةُ كُلِّ شيءٍ بِحَسَبه، فَمُقارَنةُ لفظٍ معَ لفظٍ وقوعُه عَقِبَهُ مباشرةً، لا حَال منوية؛ بمعني أحمدُ اللهَ حالةَ كوني ناويًا في قلبي بعدَ الحمدِ أن أصلي، لأنَّ نية الصلاة ليست بصلاة. [مُصَلِّيًا] اسم فاعل مِن صلَّى الرُّباعِيِّ، أي طَالبًا من اللهِ صلاتَه على الرسول.
والصلاة من الله على الرسول -كما قال ابن القيم- ثناؤُه على عبدِه في الملأ الأعلى، وصلاةُ الملائكةِ عليه ثناؤُهم عليه، وصلاةُ الآدَميينَ سؤالهُم اللهَ أن يُثني عليه ويزيدَه تشريفًا، وتكريمًا. [عَلَى الرَّسُولِ] جار ومجرور متعلِّقٌ بقوله: مصليًا، يعني أينَ مَحَلُّ الصلاةِ؟ قال: على الرسول. وهنا أتى بالصلاة ولم يذكر السلام أي أفرد الصلاة عن السلام بناءًا على أنه لا كراهة وهو الصحيح وإن كان الأفضل والأكمل الجمع بينهما للآية. و [الرَّسُول] فَعُولٌ مِنَ الرِّسَالةِ. معناه في اللغة: الذي يُتَابِعُ أخبار الذي بعثه، أخذًا من قولهم: جاءتِ الإبِلُ رَسْلاً أي مُتَتَابِعَةً. وأمَّا في الشَّرعِ فالمشهورُ عندَ الجمهورِ: أنَّه إنسان ذكر حر أُوحِيَ إليه بشرع وأُمِرَ بتبليغه، فإن لم يُؤمر فهو نبيٌّ، فكلُّ رَسولٍ نبيٌّ ولا عكس. قال-رحمه الله-: [عَلَى الرَّسُولِ] ولم يقُل على النَّبيِّ، لأنهم أجمعوا على أنَّ الرَّسُولَ- الذَّاتَ

الصفحة 15