كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب

العمل إلا الصالح، ولا من الارواح إلا الطيبة وهي أرواح المؤمنين التي استنارت بالنور الذي أنزله على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والملائكة الذين خلقوا من نور، كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها «وعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال خلقت الملائكة من نور، وخلقت الشياطين من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» فلما كانت مادة الملائكة من نور كانوا هم الذين يعرجون إلى ربهم تبارك وتعالى وكذلك أرواح المؤمنين هي التي تعرج إلى ربها وقت قبض الملائكة لها، فيفتح لها باب السماء الدنيا ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة إلى أن ينتهي بها إلى السماء السابعة، فتوقف بين يدي الله عز وجل، ثم يأمر أن يكتب كتابه في أهل عليين، فلما كانت هذه الروح روحاً زاكية طيبة نيرة مشرقة صعدت إلى الله عز وجل مع الملائكة.
وأما الروح المظلمة الخبيثة الكدرة فإنها لا تفتح لها أبواب السماء ولا تصعد إلى الله تعالى، بل ترد من السماء الدنيا إلى عالمها ومحتدها، لأنها أرضية سفلية، والأولى علوية سمائية، فرجعت كل روح إلى عنصرها وما هي منه، وهذا منه مبين في حديث البراء بن عازب الطويل الذي رواه الامام أحمد وأبو عوانة الاسفرائيني في صحيحه والحاكم وغيرهم، وهو حديث صحيح.
والمقصود أن الله عز وجل لا يصعد إليه من الأعمال والأقوال والأرواح إلا ما كان منها نوراً أقربهم إليه وأكرمهم عليه.
وفي المسند من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أن الله تعالى خلق خلقه في ظلمة، وألقى عليهم من نوره، فمن أصاب من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل.
فلذلك أقوال: جف القلم على علم الله تعالى» وهذا الحديث العظيم أصل من أصول الإيمان، وينفتح به باب عظيم من أبواب سر القدر وحكمته، والله تعالى الموفق.
وهذا النور الذي ألقاه عليهم سبحانه وتعالى هو الذي أحياهم وهداهم، فأصابت الفطرة منه حظها.
ولكن لما لم يستقل بتمامه وكماله أكمله لهم وأتمه بالروح الذي ألقاه على رسله عليهم الصلاة والسلام والنور الذي أوحاه إليهم، فأدركته الفطرة بذلك النور السابق الذي حصل لها يوم إلقاء النور، فانضاف نور الوحي والنبوة إلى نور الفطرة، نور على نور، فأشرقت منه القلوب، واستنارت به الوجوه، وحييت به الأرواح، وأذعنت به الجوارح للطاعات طوعاً واختياراً، فازدادت به القلوب الصفات العليا الذي يضمحل فيه كل نور سواء، فشاهدته

الصفحة 61