كتاب عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج (اسم الجزء: 2)
فَرْعٌ: لو وصفها جماعةٌ؛ قال القاضي أبو الطيب: أجعنا على أنها لا تُسَلَّمُ لهم.
فَإنْ دَفَعَ فَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً بِهَا حُوِّلَتْ إِلَيهِ، عملًا بها؛ فإنَّ البَيِّنَةَ أَولى، فَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ؛ فَلِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ تَضْمِينُ المُلْتَقِطِ وَالمَدْفُوعِ إِلَيهِ وَالْقَرَارُ عَلَيهِ، يعني على المدفوع إليه لتلفهِ عليه، ولأنه ظالم بزعمه فلا يرجع على غير ظالمه، وإنما يكون القرارُ على المدفوع إليه إذا لم يقر الملتقط له بالملك، فإن أقَرَّ فلا رجوعَ لهُ عليه مؤاخذة بقولهِ؛ وهذا إذا دفع بنفسه، أما إذا ألزمه الحاكم الدفع فليس لصاحب اللقطة تضمينه.
قُلْتُ: لَا تَحِلُّ لُقطَةُ الْحَرَمِ لِلتَّمَلُّكِ عَلَى الصَّحِيح، أي بل للحفظ أبدًا لقوله عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ [لَا يَلتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلا مَنْ عَرَّفَهَا] متفق عليه (¬219)، وفي رواية البخاري [لَا تَحِلُّ لَقَطهَا إِلا لِمُنْشِدٍ] (¬220) والمراد به الواجِدُ، والمعنى فيه أنَّ مكَّةَ شرفها الله تعالى مثابة للناس وأمنًا يعودون إليها مرة بعد أخرى، فربما يعود من أضَلَّهَا أو يبعثُ في طلبها، والثاني: تحل لأنها نوع كسب فاستوى فيها الحل والحرم غيرها، والمراد بالخير: أنَّه لا بد من التعريف بسائر البلاد لكلا يتوهم أن تعريفها في الموسم كافٍ لكثرة الناس، وَيَبْعُدُ العَوْدُ في طلبها من الآفاق، وقيل: المراد به إيجاب
¬__________
(¬219) عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: [إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامْ حَرَّمَهُ اللهُ؛ لَمْ يَحِلَّ فِيهِ الْقَتْلُ لأحَدٍ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أحِلَّتْ لِىَ سَاعَةً؛ فَهُوَ حَرَامٌ حَرَّمَهُ الله إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُنَفَّرُ صَيدُهُ وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ] فَقَال الْعباسُ: إلا الإذْخِرَ، فَإنَّهُ لَبُيُوْتِهِمْ؟ فَقَال: [إلا الإِذْخِرَ]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (12354)، وقال: رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن رافع. قلتُ: رواه مسلم في كتاب الحج: باب تحريم مكة وتحريم صيدها: الحديث (445/ 1353). وقال وأخرجاه من حديث جرير بن منصور. قلتُ: رواه البخاري في الصحيح: كتاب جزاء الصيد: باب لا يحل القتال بمكة: الحديث (1834). ومسلم في الصحيح: الحديث (445/ 1353).
(¬220) رواه البخاري في الصحيح: كتاب اللقطة: باب كيف تعرف لقطةُ أهل مكة: الحديث (1433).