كتاب عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج (اسم الجزء: 3)

كِتَابُ الْوَصَايَا
الْوَصَايَا: هي جمعُ وَصِيَّةٍ كَعَرَايَا وَعَرِيَّةٍ، وَهَدَايَا وَهَدِيَّةٍ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ وَصَيتُ الشَّيءَ أَصِيَهُ إِذَا وَصَلْتُهُ، فَالْمُوْصَي وَصَلَ مَا كَانَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ بِمَا بَعْدَ مَوْتِهِ.
وهيَ فِي الشَّرْعِ تَفْويضٌ خَاصٌّ بَعْدَ الْمَوْتِ. والأصلُ فِي البابِ قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَينٍ} (¬272) وقوله - عليه السلام -: [مَا حَقُّ امْرِئِ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوْصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيلَتَينِ إلا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوْبَةٌ عَنْدَهُ] متفق عليه (¬273)، والإِجماعُ قائمٌ على مَشرُوْعِيَّتِهَا.
تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ، لأن الأدلَّة قامتْ على صحَّتها، ومَنْ هَذَا حَالُهُ أكملُ الأشخاص، فانْدَرَجَ تحت مقتضى الأدلَّة وشرطهُ الاختيارُ، فلا تصحُّ وصيَّة الْمُكْرَهِ قالهُ الْجُرْجَانِيُّ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، أي ذِمِّيًّا كان أو حربِيًّا كما يصحُّ اعتاقُهُ وتمليكاتُهُ، نَعَمْ لو أوصى بمعصيةٍ لَغت ولو لِذِمِّيٍّ، وَكَذَا مَحْجُورٍ عَلَيهِ بِسَفَهٍ عَلَى المَذْهَبِ، لأنَّ عبارتهُ صحيحةٌ، ألا ترَى أنَّ طلاقَهُ يقعُ وإقرارَهُ بالعقوبةِ يُقبل، وهذا أصحُّ الطريقين، والثاني: وهي المشهورة فِي طريق العراقيين كما قاله فِي المطلب، تخريج وصيَّتِهِ على القولين فِي وصيَّةِ الصبيِّ المميِّز، واحترزَ بالسَّفَهِ عن الفَلِسِ، فإنه تصحُّ وصيَّتُهُ قطعًا قاله القاضي، والماورديُّ يقولُ: إنْ رَدَّهَا الغُرَمَاءُ بَطَلَتْ، وإن
¬__________
(¬272) النساء / 11.

(¬273) رواه البخاري في الصحيح: كتاب الوصايا: باب الوصايا: الحديث (2738). ومسلم فِي الصحيح: كتاب الوصية: الحديث (1/ 1627).

الصفحة 1078