كتاب عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج (اسم الجزء: 3)
وقوله (أوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أشْهُرٍ) يخرج ما دونها، لأن المرأة تصبر عن الزوج أربعة أشهر وبعد ذلك يفنى صبرها أو يشق عليها الصبر (¬56).
فَرْعٌ: لو قال أنت عليَّ كظَهر أمِّي خمسة أشهر، فهو مولٍ على الأصح، وقال الجويني: لا، لأنه ليس حالفًا.
وَالْجَدِيْدُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْحِلْفِ بِاللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، بَلْ لَوْ عَلِّقَ بِهِ طَلَاقًا أوْ عِتْقًا، أَوْ قَالَ: إِن وَطِئْتُكِ فَلِلهِ عَلَيَّ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ عِتْقٌ كَانَ مُوَلِّيًا، لأن جميع ذلك يسمى يمينًا فيتناوله إطلاق الآية (¬57)، وقياسًا على الحلف بالله تعالى، والقديم الاختصاص؛ لأن المعهود فِي الجاهلية اليمين بالآلهة، والشرع إنما غيَّر حكمه لا صورته (¬58).
وَلَوْ حَلَفَ أَجْنَبِيٌّ عَلَيْهِ فَيَمِيْنٌ مَحْضَةٌ، أي حتَّى لو وطئها قبل المدة أو بعدها كان عليه كفارة، فَإِنْ نكَحَهَا فَلَا إِيْلَاءَ، لأن الإيلاء يختص بالنِّكَاح فلا ينعقد
¬__________
(¬56) لأثر ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - مِنَ اللَّيْلِ؛ فَسَمِعَ امْرَأةً تَقُولُ [الطويل]:
تَطَاوَلَ هَذَّا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ ... وَأَرَّقَنِي أَنْ لَا حَبِيْبَ أُلَاعِبُهْ
فَوَاللهِ لَوْلَا اللهُ إِنِّي أرَاقِبُهْ ... لَحُرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيْرِ جوَانِبُهْ
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - لِحَفْصَةَ بنْتِ عُمَرٍ رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا: كَمْ أَكْثَرُ مَا تَصْبِرُ الْمَرْآةُ عَنْ زَوْجِهَا؟ فقَالَتْ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ! فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَحْبِسُ الْجَيْشَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا! ). رواه البيهقي فِي السنن الكبرى: كتاب السير: باب الإمام لا يجمر الغُزَّى: الأثر (18348). وعزاه ابن حجر إلى مظانه فِي تلخيص الحبير: كتاب الإيلاء: الأثر (2).
(¬57) عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: (كَانَ إِيْلَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. فَوَقَّتَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ أرْبعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ إِيْلَاؤُهُ) وفي رواية (فَمَنْ كَانَ إِيْلَاؤُهُ أَقَلَّ مِنْ أَربَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيْلَاءٍ). رواه البيهقي فِي السنن الكبرى: كتاب الإيلاء: الأثر (15632).
(¬58) عن ابن عباس رضى الله عنهما؛ قال: (كُلُّ يَمِيْنٍ مَنَعَتْ جِمَاعًا فَهِيَ إِيْلَاءٌ). رواه البيهقي فِي السنن الكبرى: الأثر (15635).