كتاب عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج (اسم الجزء: 4)

وَلَوْ حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالطَّلَبَ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيْهَا غَالِبًا جُوْعًا أَوْ عَطَشًا فَعَمْدٌ؛ لأنه قصد إهلاكه، وتختلف المدة باختلاف حال المحبوس قوةً وضعفًا، والزمان حرًّا وبردًا؛ لأن فقد الماء في الحر ليس كهو في البرد، واحترز بقوله (مَنَعَهُ) عما إذا كان عنده طعام وشراب فلم يتناوله خوفًا أو حزنًا أو أمكنه طلبه بالسؤال فلم يفعل؛ فإنه لا يجب على حابسه قصاص ولا ضمان؛ لأن الحابس لم يقتله، وإنما المحبوس قتل نفسه. ولو منعه الشراب دون الطعام فلم يأكل المحبوس خوفًا من العطش فمات، فلا قصاص قطعًا ولا ضمان على الأصح؛ لأنه المهلك نفسه، ولو منعه الطعام وحده فيتجه إلحاقه بما لو منعهما، وَإِلَّا، أي وإن لم تمض هذه المدة، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشٌ سَابِقٌ فَشِبْهُ عَمْدٍ؛ لأن هذا الفعل لا يقتل غالبًا، وَإنْ كَانَ بَعْضُ جُوعٍ وَعَطَشٍ وَعَلِمَ الْحَابِسُ الْحَالَ فَعَمْدٌ؛ لظهور قصد الإهلاك، وَإِلَّا، أي وإن لم يعلم الحابس الحال، فَلَا، فِي الأَظْهَرِ؛ لأنه لم يقصد إهلاكه، والثاني: يلزمه القِصَاص، كما لو ضرب المريض ضربًا يهلكه، ولا يُهلك الصحيح وهو جاهل بمرضه.
فَرْعٌ: لو حبسه وعَرَّاهُ حتى مات بالبرد، فهو كما لو حبسه ومنعه الطعام والشراب، ذكره القاضى.
فَرْعٌ: لو أخذ طعامه، أو شرابه، أو ثيابه في مفازة، فمات جوعًا، أو عطشًا، أو بردًا، فلا ضمان؛ لأنه لم يحدث فيه صنعًا، حزم به المتولي والرافعي، وقال القاضي: إنه الصحيح.
فَرْعٌ: لو قتله بالدخان أو بحلِّ عصابة الفصادة ومنعه من إعادتها وجب القِصَاص.
فَصْلٌ: وَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِالسَّبَبِ، أي قياسًا على المباشرة، فَلَوْ شَهِدَا بِقِصَاصٍ فَقُتِلَ ثُمَّ رَجَعَا وَقالَا تَعَمَّدْنَا، الكذب، لَزِمَهُمَا القِصَاصُ؛ لتوصلهما إلى قتله بسبب يقتل غالبًا، إِلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْوَليُّ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا، أي فإنه لا قصاص والحالة هذه

الصفحة 1503