كتاب عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج (اسم الجزء: 4)

هلك بغير ما قصد إهلاكه به، فأشبه ما لو رماه من شاهق فَقَدَّهُ إنسان بسيفه، فإنه لا قود على الرامي كما سلف، ولكن تجب دية مغلظة، وهذا القول من تخريج الربيع، والخلاف جارٍ سواء التقمه قبل وصوله إلى الماء أو بعده في نيل مصرَ وغيره، أَوْ غَيْرِ مُغْرِق فَلَا، أي فلا قصاص قطعًا؛ لأنه لم يقصد إهلاكه ولم يشعر بسبب الإهلاك، فأشبه ما لو دفع رجلًا دفعًا خفيفًا فألقاه فجرحه سكين كان هناك ولم يشعر به الدافع فلا قصاص، ولكن يجب في الصورتين دية شبه العمد.
فَصْلٌ: وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلٍ، أي بغير حق، فَعَلَيهِ القِصَاصُ، لأنه كالمباشر، وَكَذَا عَلَى الْمُكْرَهِ فِي الأَظْهَرِ، بفتح الراء لأنه قتله عمدًا عدوانًا لاستبقاء نفسه، فأشبه ما لو قتله المضطر ليأكله، بل أولى، لأن المضطر على يقين من التلف إن لم يأكل بخلاف المُكرَه، والثاني: لا يجب؛ لأنه آلةٌ للمكرِه بكسر الراء فصار كما لو ضربه به، والخلاف جارٍ سواء صدر الإكراه من الإمام أو نائبه أو إمام البغاة أو المتغلب باللصوصية أو غيرهم على الأصح.
تَنْبِيْهٌ: الصحيح في الإكراه هنا، أنه لا يحصل إلّا بالتخويف بالقتل، أو بما يخاف منه التلف كالقطع، وألحَقَ الغزالي الضرب الشديد، وقيل: يحصل بما يحصل به الإكراه على الإطلاق.
فَإِنْ وَجَبَتِ الدِّيَّةُ، أي بأن صار الأمر إليها، وُزِّعَتْ، أي على الشريكين، فَإِنْ كَافَأهُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ؛ فالقِصَاصُ عَلَيْهِ، اى دون الآخر كشريك الأب، فإذا أكره عبدٌ حرًا على قتل عبد، أو ذميّ مسلمًا على قتل ذميّ، فالقِصَاص واجب على الآمر دون المأمور، ولو أكرَهَ حرٌّ عبدًا على قتل عبد، أو مسلم ذميًا على قتل مسلم فالحكم بالعكس، وَلَوْ أَكْرَهَ بَالِغٌ مُرَاهِقًا، أي علي قتل إنسان، فَعَلَى الْبَالِغِ القِصَاصُ، إِنْ فُلْنَا: عَمْدُ الصَّبِيِّ عَمْدٌ، وَهُوَ الأَظْهَرُ؛ لوجود مقتضيه وهو القتل مَحْض العدوان، فإن قلنا: إن عمَدَه خطأ فلا قصاص؛ لأنه شريك مخطئ، أما المراهق؛ فلا محالة في عدم وجوب القِصَاص في حقه، ووجه من يقول إن عمده عمدٌ؛ أنه يميز مضاره من

الصفحة 1506