كتاب عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج (اسم الجزء: 4)

اقتضاه كلامه فِي الكبير أيضًا، ونص عليه فِي الأم حيث قال فِي باب تشاحِّ الأولياء على القِصَاص: ولا يقرع لامْرَأةٍ ولا ندعها تقتله (•)، لأن الأغلب أنها لا تقدر على قتله إلَّا بتعذيبه، وكذا لو كان فيهم أشل اليمين أو ضعيف أو مريض لا يقدر على قتله إلَّا بتعذيبه أُقرع بين من يقدر على قتله ولا يعذبه بالقتل.
وَلَوْ بَدَرَ أحَدُهُمْ، أي أحد الورثة، فَقَتَلَهُ، أي من غير إذن الباقين، فَالأظْهَرُ لَا قِصَاص؛ لأن له حقًّا فِي قتله فصار شبهة، ولأن من علماء المدينة أو أكثرهم مَنْ ذهب إلى أنَّه يجوز لكل واحد من الورثة الانفراد وإن عفى الباقون، ويقال: إنه رواية عن مالك، والثاني: نعم؛ لأنه استوفى أكثر من حقه كما لو استحق طرفًا فاستوفى نفسًا، وهذا الخلاف فيما إذا قتله عالمًا بالتحريم، فإن جهل فلا قصاص قطعًا، وفيما إذا كان قبل حكم الحاكم بالمنع منه، فإن كان بعده فالصحيح أن عليه القِصَاص لِدَفعِ الشبهة به قاله الماوردي، وَللْبَاقِيْنَ قِسْطُ الدِّيَةِ؛ لفوات القِصَاص بغير اختيارهم، مِنْ تَرِكَتِهِ، أي من تركة الجاني؛ لأن القاتل فيما وراء حقه، لأجنبي ولو قتله أجنبي فأخذ الورثة الدية من تركة الجاني لا من الأجنبي فكذا هنا، وَفِي قَوْلٍ: مِنَ الْمُبَادِرِ، أي وهو الأخ المبادر مثلًا؛ لأنه أتلف ما يستحقه هو وأخوه فلزمه ضمان حق أخيه، كما لو كانت لهما وديعة فأتلفها أحدهما. وفرَّق الأول بأن الوديعة غير مضمونة لو تلفت بآفة سماوية بخلاف نفس الجاني، وَإِنْ بَادَرَ بَعْدَ عَفوِ غَيْرِهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ؛ لارتفاع الشبهة، وَقِيْلَ: لَا إِنْ لَمْ يَعْلَمْ. وَيَحْكُمُ قَاضٍ بِهِ؛ لشبهة اختلاف العلماء فيه، أما إذا حكم القاضي به؛ وعلمه؛ فيلزمه القِصَاص قطعًا فإن جهله؛ فإن قلنا: لا قصاص مع العلم، فهنا أولى، وإلا فوجهان، وَلَا يُسْتَوْفَى قِصَاصٌ إِلَّا بإِذْنِ الِإمَامِ، أي أو نائبه لخطره، وذكر صاحب التَنْبِيْه: أنَّه لا يجوز إلَّا بحضرته، قال الشيخ عزُّ الدِّينِ: فإن تعذر إثباته كان له الاستبداد (•) به حيث لا يراه أحد.
¬__________
(•) فِي النسخة (2): وَقَتْلَهُ بدل تَقْتُلُهُ.
(•) فِي النسخة (1): الاستقلال بدل الاستبداد.

الصفحة 1536