كتاب عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج (اسم الجزء: 4)

المذكور، وَعَلَى الأول، أي وهو أن الواجب القود عينًا، لَوْ أطْلَقَ الْعَفْوَ، أي فلم يتعرض للدية بنفي ولا إثبات، فَالمَذهَبُ لَا دِيَّةَ؛ لأن القتل لم يوجب الدية على هذا القول، والعفو إسقاط ثابت لا إثبات معدوم، والثاني: يجب، لقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (¬166) أي اتباع المال وذلك يشعر بوجوب المال بالعفو فعدل إلى بدله كما لو مات الجاني، وأجاب الأول: بحمل الآية على ما إذا عفى على الدية، قال الرافعي: وهذه الطريقة هي أظهرهما، وهي حاكية لقولين أو وجهين ولم يذكر الطريقة الأخرى هنا، وقال في آخر كلامه: وقوله -يعني الوجيز- وإن عفى مطلقًا فقولان، مُعْلَم بالواو لأجل الطريقة القاطعة لم يبيّن هل هي قاطعة بالصحيح أم بمقابله؟ وَلَو عَفَى عَنِ الدِّيَّةِ لَغَا، بناءً على أن الواجب القود المَحضُ، وَلَهُ الْعَفْو بَعْدَهُ عَلَيهَا، لما قلناه، وَلَو عَفَى عَلَى غَيرِ جِنسِ الدِّيَّةِ ثَبَتَ، أي المال وسقط القود، إِن قَبلَ الجاني، وَإلا فَلَا، أي وإن لم يقبل الجاني لم يثبت المال، وَيسقُطُ القَوْدُ فِي الأصَح، لأنه رضي به على العوض ولم يحصل، والثاني: يسقط؛ لأنه رضي به حيث أقدم على الصلح وطلب العوض، فإن قلنا بهذا فهل تثبت الدية؟ قال البغوي: هو كما لو عفى مطلقًا.
فَرْعٌ: لو عفى عن القود على نصف الدية، قال القاضي: هذه معضلة أسهرت الجلة، وقال غيره: هو كعفوه عن القود ونصف الدية فيسقط القود ونصف الدية، وَاعلَم: أن المصنف فرَّعَ هذه الفروع على القول الصحيح: أن الواجب القود عينًا والدية بدل عند سقوطه، وتركَ التفريع على القول المرجوح لطوله، وقد ذكره في الروضة تبعًا للرافعي.
¬__________
الحديث (112). ولفظ [إِمَّا أنْ يُفْدَى، وَإِمَّا أنْ يُقِيْدَ]: الحديث (2434)، ولفظ المتن في كتاب الديات: باب من قُتِلَ لَهُ قتِيل: الحديث (6880). ومسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب تحريم مكة وصيدها: الحديث (447/ 1355).
(¬166) البقرة / 178: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

الصفحة 1543