كتاب عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج (اسم الجزء: 4)

فَائِدَةٌ: قيل: إنه كان في شرع موسى -عليه السلام- تحتم القِصَاص جَزْمًا، وفي شرع عيسى -عليه السلام- أخذ الدية فقط، فخفف الله عن هذه الأمة وخيَّرَها بين الأمرين لما في الإلزام بأحدهما من المشقة.
وَلَيسَ لِمَحْجُورِ فَلَس عَفْوٌ عَن مَالٍ إِن أَوجَبنَا أَحَدَهُمَا، أي أحد الأمرين للتفويت على الغرماء، وَإلا، أي وإن قلنا: الواجب القود عينًا، فإن عَفَى عَلَى الدِّيَّةِ ثَبَتَت، وَإن أَطْلَق فَكَمَا سَبَقَ، أي فيما إذا عفى مطلقًا، فإن قلنا: إنه يوجب الدية ثبتت وإلا فلا، والمذهب عدم الوجوب كما سلف، فَإن عَفَى عَلَى أن لا مَالَ، فالمَذْهَبُ: أَنهُ لا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لأن العفو مع نفي المال لا يقتضي مالًا، فلو كلفنا المفلس أن يُطلق ليثبت المال كان ذلك تكليفًا بأن يكتسب، وليس على المفلس أن يكتسب، وأشار بقوله (فَالمَذْهَبُ) إلى ذكر طريقين، وبيان ذلك أنا إذا قلنا: إن مطلق العفو لا يوجب المال فالمقيد بالنفي أولى، وإلّا فوجهان أصحهما هذا، والثاني: الوجوب؛ لأنه لو أطلق العفو لوجب المال، فالنفي كالاسقاط لما له حكم الوجوب وقد اقتضى كلام المصنف في باب التفليس الجزم بالصحة أيضًا فإنه قال: يصح اقتصاصه وإسقاطه، ومقتضاه: أنه لا فرق في الإسقاط بين أن يكون مجانًا أو على مال.
وَالْمُبَذِّرُ فِي الديةِ كمُفْلِسٍ، أي في حكمه الذي قررناه آنفًا، وَقِيلَ: كَصَبِي، أي فلا يصح عفوه عن المال مجانًا. لأنا؛ وإن قلنا: مطلق العفو لا يوجب المال، فإذا تصدى له مال لم يَجُز له تركه كما لو وهب له شيء أو أوصي له بشيء فلم يقبل؛ فوليه يقبل عنه. بخلاف المفلس، لا يقبل الغرماء عنه، ولا الحاكم.
وَلَوْ تَصَالَحَا عَلَى القَودِ عَلَى مِائَتَي بَعِيْرٍ لَغَا، إِن أوْجَبنَا أحَدَهُمَا، يعني القِصَاص أو الدية؛ لأنه زيادة على الواجب نازل منزلة الصلح من ألف على ألفين، وَإلا، أي وإن قلنا بالأصح وهو أن الواجب القود عينًا والدية بدل عند سقوطه، فَالأصَحُّ: الصِّحةُ؛ لأنه مال يتعلق باختيار المستحق والتزام الجاني، فلا معنى لتقديره كبدل

الصفحة 1544