كتاب عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج (اسم الجزء: 1)

فَائِدَةٌ: قيل: إن أصل الدفن أن قابيل لما قتل أخاه هابيل لم يدرِ ما يصنع به، فأرسل الله غراباً يبحث فِي الأرض تنبيهاً له فدفنه؛ وقال السديُّ فِي قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} يعني القبر (¬851).
وَاللَّحْدُ أَفْضَلُ مِنَ الشَّقِّ إِنْ صَلُبَتِ الأَرْضُ، لأنه كذا صُنِعَ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -
وأوصى بذلك سعد بن أبى وقاص (¬852)، فإن كانت رخوة فالشق أَولى لتعذر اللحد، وَيُوضَعُ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ وَيُسَلُّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ بِرِفْقٍ، للاتباع (¬853)، وَيُدْخِلُهُ الْقَبْرَ الرِّجَالُ، أي ولو كان الميت امرأة، لأنه يحتاج إلى قوة، وهُم أحرى بذلك،
¬__________
(¬851) الأعراف / 24، وعن السِدِّيِّ عمن حدثه عن ابن عباس. رواه الطبري فِي جامع البيان: النص (11212). قلت: أما قوله (قيل: إن أصل الدفن أن قابيل) فلا أدرى لماذا جعله بصيغة التمريض والضعف، إلا إذا أراد ذكر اسمي ابني آدم، وإلا فإن أصل الدفن معروف بنص القرآن، بأن تأسيس فكرة الدفن من قصة ابني آدم، ولو كانت معروفة من قبل لما احتاج لمثل هذا العجز، قال الله عز وجل {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة: 27 - 31].
(¬852) عن عامر بن سعد بن أبى وقَّاص؛ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي هَلَكَ فِيْهِ: (إِلْحَدُواْ لِي لَحْداً، وَانْصِبُواْ عَلَيَّ اللبن نَصْباً؛ كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -). رواه
مسلم فِي الصحيح: كتاب الجنائز: باب فِي اللحد: الحديث (90/ 966). والنسائي فِي السنن: باب اللحد والشق: ج 4 ص 80.
(¬853) لحديث ابن عباس رضى الله عنهما؛ قال: (سُلَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ). رواه الشافعي فِي الأُّم: باب الخلاف فِي إدخال الميت القبر: ج 1 ص 273 بإسنادين.
ولفعل الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً؛ ينظر: الكتاب المصنف لابن أبي شيبة: كتاب الجنائز: باب ما قالوا فِي الميت من قال: يُسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ.

الصفحة 438