كتاب عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج (اسم الجزء: 2)

وِاذَا رُؤِيَ بِبَلَدٍ لَزِمَ حُكمُهُ البَلَدَ القَرِيبَ، أي قطعًا، دُون البَعِيدِ فِي الأصَح، لأن لكل أهل بلد رؤيتهم، والثاني: يجب؛ لأن الهلال واحد والخطاب شامل، ولأن الأرضَ مُسَطحَة (¬962)، فإذا رؤى الهلال في بلد رؤى في غيره، وَالْبَعِيدُ بِمَسَافَةِ الْقَصرِ، لأن اعتبار المطالع يحوج إلى حساب وتحكيم المنجمين، وقواعد الشرع تأبى ذلك فوجب اعتبار مسافة القصر التي علق الشارع بها كثيرًا من الأحكام.
وَقِيلَ: بِاخْتِلاَفِ المَطَالِع، لأن أمر الهلال لا تعلق له بمسافة القصر، هذا ما قطع به جمهور العراقيين والصيدلاني وغيرهم فلذلك قال المصنف اثره: قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ، وَالله أَعلَمُ، فإن شك في اتفاقها فلا وجوب على من لم يرَ، لأن الأصل عدم الوجوب، لكنه وافق ما صححه الرافعي في شرح مسلم (¬963).
¬__________
(¬962) ربما أفهم كلام المصنف رحمه الله أن الأرض مسطحة، بمعنى أنها غير بيضوية أو ما يذهب الذهن به إلى هذا المعنى في الشكل حسب مفاهيم العصر الراهن فيتوهم أن المصنف يقول بمفاهيم القرون الوسطى لأوربا. وليس كذلك؛ وإنما المراد مسطحة بالمعنى الذى جاء في القرآن الكريم؛ قوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 17 - 20]. قال الهروي في الغرييين: أي بُسِطَت وَدُحِيَتْ؛ وقال القرطبي في الجامع: بُسِطَت وَمُدتْ. فالمعنى أن الأرض مسطحة فهى مبسوطة كالفراش للناس، يتقلبون عليها في مسالكها كما يتقلب النائم على فراشه، وفي اللغة السطح؛ بمعنى من كل شيء أعلاهُ. وسَطَحَ الله الأرض بَسطَهَا، ولهذا يقال: سطح البيت؛ أي ظهرة؛ وأعلى كل شئ، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا} [نوح: 19 - 20]. أي فراشًا ومهدًا؛ قاله الدمغاني في الأشباه والنظائر. أي أن الأرض تلفكم، فهى ميسرة لكم بنظام وجودكم عليها. قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [لقمان: 20]، وقال تعالى: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} [لقمان: 29]. اقتضى التنويه.
(¬963) أخذ النووى رحمه الله بظاهر حديث كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما، ينظر: شرحه للحديث من صحيح مسلم: كتاب الصيام: باب أن لكل بلد رؤيتهم: الحديث (28/ 1087).

الصفحة 521