كتاب عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج (اسم الجزء: 2)
بأن استمر السفر أو المرض من استهلال شوال إلى الموت، فَلَا تَدَارُكَ لَهُ وَلَا إِثْمَ، لأنه فرض لم يتمكن منه إلى الموت فسقط حُكْمُهُ كَالْحَجِّ، أما إذا فاته شيء منه بغير عذر ففيه الخلاف الآتي: فيما إذا مات بعد التمكن، قال القفال في فتاويه: وخالف ما إذا نَذَرَ صوم شهر ثم مات قبل إمكانه فإنَّه يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ الطَّعَام, لأن نفس النذر يستقر عليه، قال: وكذا إذا نَذَرَ الحجَّ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكنِ لَم يَصُم عَنْهُ وَليِّهُ في الْجَدِيدِ, لأن الصوم عبادة بدنيةٌ؛ لا تدخلها النيابة في الحياة؛ فكذلك بعد الموت كالصلاة، بَل يُخْرِجُ مِن تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّ طَعَامٍ، لحديث فيه في التِّرْمِذِيّ؛ والأصح وقفه، ورواه البيهقي من فَتوَى ابن عباس وعائشة (¬990)، والقديم الجواز لقوله -صلى الله عليه وسلم-: [مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنهُ وَلِيُّهُ] متفق عليه (¬991)، وَكَذَا النَّذْرُ وَالْكفَّارَةُ، أي فحكمها حكم رمضان فيجري الخلاف، وقيَّد الحاوي الصغير الكفارة بكفَّارة القتل ولا تختص به. قُلْتُ: القَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ، أي من جهة الدليل للحديث السالف وغيره من الأحاديث الصحيحة, وحكى البندنيحي أن الشَّافعيّ - رضي الله عنه - قال في أماليه: إنْ صَحَّ الحديثُ قُلْتُ بِهِ، ووقع في
¬__________
(¬990) • عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: [مَنْ مَاتَ وَعَلَيهِ صِيَامُ شَهر فَلْيُطعِمْ عَنهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مسْكِينًا]. رواه التِّرْمِذِيّ في الجامع: باب ما جاء في الكفارة: الحديث (718)، وقال: حديث ابن عمر لا نعرفه مرفوعًا إلَّا من هذا الوجه. والصحيح عن ابن عمر موقوفٌ قولُهُ.
• عن محمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثوبان؛ قال: سُئِلِ ابْنُ عَبَّاس عَنْ رجُلٍ مَاتَ وَعَلَيهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ صِيَامِ شَهْرٍ آخرَ، قَالَ: (يُطْعِمُ سِتيْنَ مِسْكينًا). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (8312 و 8313).
• ووجدت الفتاوى لابن عمر، كَانَ إذَا سُئِلَ عَنِ الرّجُلِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ رَمَضَان أوْ نَذْرٌ؛ يَقُولُ: (لا يَصُومُ أحدٌ عَنْ أحَدٍ، وَلَكِنْ تَصَدَّقُوا عَنْه مِنْ مَالِهِ لِلصَّوْمِ, لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيْنًا). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (8308).
(¬991) الحديث عن عائشة رضي الله عنها؛ رواه البُخَارِيّ في الصحيح: كتاب الصوم: باب من مات وعليه صوم: الحديث (1952). ومسلم في الصحيح: كتاب الصيام: الحديث (153/ 1147).