كتاب عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج (اسم الجزء: 2)

كِتَابُ الْقراضِ
القِرَاضُ: هُوَ مُشْتَقٌّ من الْقَرضِ وَهُوَ الْقَطْعُ، لأَنَّهُ قَطَعَ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا؛ أَوْ قِطْعَةً مِنَ الرِّبْحِ أَوْ مِنَ الْمُقَارَضَةِ وَهِىَ الْمُسَاوَاةُ لِتَسَاويهِمَا فِي الرِّبْحِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُسَمُّونَهُ مُضَارَبَةً، لأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِسَهْمٍ فِي الرِّبْحِ، وَقِيلَ: مَأْخُوذٌ مِنَ الضَّرْبِ فِي الأَرْضِ وَهُوَ السَّفَرُ وَقَدْ جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَينَ اللَّفْظَينِ فَقَال:
الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ: أَنْ يَدْفَعَ إِلَيهِ مَالًا لِيَتَّجِرَ فِيهِ وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ، وهذا حدّه شرعًا، واحترزَ بقوله (وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ) عن الوكيل والعبد المأذون، وخرج بلفظ (الدَّفْعِ) ما إذا قارضَهُ على دَينٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ سواءً كان على العاملِ أم على غيرهِ.
والأصلُ في البابِ الكتابُ والسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ (¬159) وَغَيرُهُ الإِجْمَاعَ مُطْلَقًا. قال تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ} (¬160) وَضَارَبَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لِخَدِيجَةَ بِمَالِهَا إِلَى الشَّامِ وَأَنْفَذَتْ مَعَهُ عَبْدَها مَيسَرَةَ (¬161).
¬__________
(¬159) في الْمُحَلَّى لابن حزم: كتاب المضاربة: المسألة (1367): ج 5 ص 247.
(¬160) المزمل / 20.
(¬161) قال الماورديُّ في الحاوي الكبير: كتاب القِراضِ: ج 7 ص 305: وَرُويَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (أَنَّهُ ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ بِأَمْوَالِهَا إِلَى الشَّامِ، وَأَنْفَذَتْ مَعَهُ خَدِيجَةُ عَبْدًا لَهَا يُقَالُ لَهُ مَيسَرَة). وقصة هذه المضاربة لخديجة بأموالها كانت قبل البعثة، وأخرجها ابن هشام =

الصفحة 910