كتاب عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج (اسم الجزء: 2)
فَرْعٌ: لَيسَ لِلإِمَامِ وَلَا غَيرَهُ مِنَ الْوُلاةِ أَنْ يَأخُذَ مِمَّنْ يَرْتَفِقُ بِالجُلُوسِ وَالْبَيع وَنَحْوهِ فِي الشَّارِع عِوَضًا قَطْعًا.
وَلَوْ جَلَسَ فِيهِ لِلْمُعَامَلَةِ، أي وكذا الصناعة كخياطة وَنَحْوهَا، ثُم فَارَقَهُ، أي فارقَ موضعَ جلوسهِ، فَإنْ فَارَقَهُ، تَارِكًا لِلْحِرْفَةِ أَو منَتَقِّلًا إِلَى غَيرِهِ بَطَلَ حَقُّهُ، لإعراضهِ عَنْهُ، وإن فارَقَهُ لِيَعُودَ لَم يَبْطُل، إِلأ أَن تَطُولَ مُفَارَقَتُهُ بِحَيثُ يَنْقَطِع مُعَامِلُوهُ عَنْهُ ويألفُون غَيرَهُ، لأن الغرضَ من الموضع المتعينِ أن يُعرفَ فيعَامَلَ، وسواء فارقَ بعذرٍ أو بغيرِهِ، واحترزَ بالمعاملةِ عمَّا إذا جلسَ لاستراحة وشبهها فإن حَقهُ يبطلُ بِمُفَارَقتِهِ، أما الجَوَّالُ فينقطعُ حَقهُ بِمُفَارَقتِهِ جزْمًا، وَمَنْ أَلِفَ مِنَ الْمَسْجِدِ مَوْضِعًا يُفْتِي فِيهِ ويقْرِىُء، أي القرآنَ أو العلمَ وكذا التدريسَ، كَالْجَالِسِ فِي شَارع لِمُعاملة، لأن لهُ غَرضًا في ملازمتهِ ذلكَ الموضعَ لِيَألفَهُ الناسُ، ونقل الماوردي في أحكامه هذا عن مالك؛ وحكى عن جمهور الفقهاءِ أنه متَى قَامَ بَطَلَ حَقهُ لقوله تعالى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} (¬176)، وَلَوْ جَلَسَ فِيِه لِصَلاة لَم يَصِرْ أَحَق به فِي غَيرِهَا، أي بخلافِ مقاعدِ الأسواقِ وفي الفَرْقِ نَظرٌ، فَلَو فارَقَهُ لِحَاجَب لِيَعُودَ، أي كما إذا فارقَهُ لقضاءِ حاجة ونحرِها، لَم يَبطُلِ اختصَاصُهُ فِي تلْكَ الصلاةِ، فِي الأصَحِّ، وَإِن لَمْ يَتْرُكْ إِزارَهُ، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: [إِذَا قَامَ أحَدُكُم مِنْ مَجْلِسِهِ، ثم رَجَعَ إِلَيهِ، فَهُوَ أحَق بِهِ] رواه مسلم (¬177)، والثاني: يبطلُ حَقُّهُ لحصولِ المفارقةِ كما بالإضافةِ إلى سائرِ الصلواتِ، وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ إِلَى مَوْضِع رِبَاط مُسَبلٍ أَوْ فَقِيهٌ إِلَى مَدْرَسَة، أَوْ صُوفِي إِلَى خَانِقَاهُ لَمْ يُزْعَجْ، وَلَمْ يَبْطُلْ حَقهُ بِخُرُوجِهِ لِشِرَاءِ حَاجَةِ وَنَحْوهِ، أي سواء خَلِفَ أحدًا فيه أو متاعه أم لا! لعمومِ الحديثِ السَّابقِ، نعم؛ لو اتخذه
¬__________
(¬176) الحج / 25.
(¬177) رواه مسلم في الصحيح: كتاب السلام: باب إذا قام: الحديث (31/ 2791) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. وأبو داود في السنن: كتاب الأدب: باب إذا قام من مجلس: الحديث (4853). وابن ماجه في السنن: كتاب الأدب: الحديث (3717). وعند الإمام أحمد في مواضع عديدة من المسند: ج 2 ص 263 و 283 و 389، 483 و 537.