كتاب رحلة الشتاء والصيف
من رام يستقصي معالمَ طيبة ... ويشاهدُ المعدومَ كالموجودِ
فعليه باستيفاء تاريخِ الوفا ... تأليف عالمِ طيبةَ السمهودي
يقول أبو عبد الله الفيومي المكي:
إني إذا نَزَحتْ ديارُ المصطفى ... وازداد شوقي نحوها وحنيني
طالعت في تاريخه السامي لكي ... أمشي على آثارهِ بعيوني
وبالجملة فإن في التاريخ مشاهدة ما، فهو كما قيل:
أملياني حديثَ من سكنَ الجز ... ع ولا تكتباه إلا بِدمعي
فاتني أن أرى الديارَ بطرفي ... فلعلي أرى الدّيارَ بِسمعي
وما أطيب قول النيسابوري:
يا عينُ إنْ بَعُدَ الحبيبُ ودارهُ ... ونأت مرابِعُهُ وشطَّ مزارهُ
فلقد ظفرتِ من الحبيبِ بطائل ... إن لم تريه فهذهِ آثارهُ
عوداً إلى ما كنا بصدده، وانعطافاً على ما يستعان بمدده، فأقمنا بها يومين لما قاسته الرحال والرجال، ولم تكن دار إقامة.
أكْرَه
ثم ارتحلنا قاصدين أكره، متأملين بعين الفكرة، ناظرين إلى الأنفس والآفاق، وما فيها من سرّ تدبير الخلاق، حتى وصلنا إليها، لا أعادنا الله عليها، وأكره بوزن جمرة، مسيل قفر، وماؤه مرٌّ زعاف لا تقبل عليه النفس إلا بالكره، وقد توجد بتلاعه ديم.
وفي البرهان: أكرا بألف مفردة من أعمال الحوراء، وبينهما منزل للركب يعرف بـ الحُرَيْرَة مصغر الحرة، وهي منتهى أحكام الحجاز الشريف.
ثم ارتحلنا سائرين في بوادٍ وقفار، ومفاوز وحِرار، إلى أن واجهنا الوجه
الصفحة 15
362