كتاب رحلة الشتاء والصيف
ثم لم نزل في نزول وارتحال، وقطع حِرار ورمال، في ذلك التيه الذي أعيا الرحال والرجال، وهو فضاء واسع عن يمينه جبل الطور وعن يساره العريش، وقدره أربعون فرسخاً في مثلها، شديد البرد أيام الشتاء، شديد الحر أيام الصيف، معدوم الماء، ينتهي إلى بحر فاران مغرق فرعون. وفاران من مدن العمالقة، وفيه تاهت بنو إسرائيل أربعين سنة ينزلون حيث يرحلون، وأكثر ما يرى فيه بصل العنصل ويُسمّى روض الجمل، ما أحسن ما قال:
رعى الله ظبياً بالأرَيْمِلِ إذ بدت ... حشاشةُ قلب المستهام رعاها
إذا ما بدا والتيه بيني وبينه ... تحجّب عني بالدلال وتاها
ثم انصرفنا من المنصرف على هضاب وجور ورمل كثير، يقال إن الاسكندر أراد أن يخلط بحر السويس ببحر الروم من هذا الطريق، وهذه الحفر آثار ذلك. وقيل بل كان فيها خليج من النيل متصل ببحر السويس فاقتضى الحال أن يُطم فهو هذا.
عجرود
ثم أتينا عجرود ذات الجفا والصدود، متعطشين إلى الما، متألمين من الظما، فشربنا من مائه الذي زاد على الملوحة بالمرار، ومن فقد العين تعلل بالآثار، وهو من أعمال السويس على نصف مرحلة منها، وادٍ فيه قلعة فيها بئر ماؤها كالعلقم، ربما أسهل، ثم قمنا نقطع البوادي، وهي تقطع الأكباد، وقد أنفذ فينا البينُ أمره، وأذاقنا من السفر حلوه ومره:
الصفحة 23
362