كتاب رحلة الشتاء والصيف

إلى الفعل ومن عالم المثال إلى عالم الأشكال.
ومن قبل تركيب الهوى كنت ساكناً ... ولكنْ برغمي حرَّكتني العواملُ
وسلَّكني دهري على غيرِ منهجي ... ألا في سبيل اللهِ ما الدهرُ فاعلُ
فامتطيت غارب الأمل إلى الغربة، وركبت مراكب المذلة والكربة، قاصداً استعتاب الدهر الكالح، واستعطاف الزمان الغشوم الجامح، اغتراراً بأن في الحركة بركة، وأن الاغتراب داعية الاكتساب.
على المرء أن يسعى لما فيه نفعُه ... وليس عليه أن يساعده الدهرُ
فإن نال بالسعي المُنى تمَّ قصدُه ... وإن خالف المقدور كان له عذرُ
وهيهات مع حرفة الأدب، بلوغ وطر أو إدراك أرب، أو مع عبوس الحظ، ابتسام الدهر الفظِّ.
فما كُلُّ غادٍ نحو قصدٍ ينالُه ... ولا كلُّ من زار الحِمى سمع الندا
وكنتُ مهما وقفتُ عليه من خبر لطيفٍ سطرته، وأيَّما شعر ظريف ظفرت به قيَّدته وحبَّرته، حتى وجدتُ لديَّ جملةً من اللطائف والظرائف، قد جمعتها أيدي الأقلام، وأوقعتني عليها الأيام.
إنَّ الغريبَ إذا ما كان ذا قلمٍ ... فليس سلوتُه إلا بقرطاسِ
فيهِ يُقيِّدُ ما يلقاه من نكتٍ ... ومن ظرائفَ يُبديها من الراسِ
فخطر لي أن أجعلها رحلةً تعرب بحسن معانيها عن لطيف المعاني، وتفصح عن عذوبة السجع بما يفوق رنَّات المثاني، وأودعها ما أقف عليه في سفري من لطائف الأشعار، وغرائب النكت التي هي لدى طالبها غالية الأسعار، إلى غير ذلك من منثور ومنظوم، إلى حين قدومي من الروم. لتكون نزهةً لي ولأصحابي، وتحفة أخص بها خُلَّص أحبابي، بل عبرة لكلّ طامع في غير مطمع، بل عبرة تعبر عن مكتوم سر طالما تكلم وتوجع.
إن الفؤادَ إذا تكدّر لم يكنْ ... يصفو بغير شكايةٍ وعتابِ
فإذا تحصل من ذلك ما تحصل، وصح ما دار وتسلسل، سميّتُه:

الصفحة 5