كتاب القول المحرر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وكثير منهم لا يعرفون معروفًا, ولا ينكرون منكرًا إلا ما أشربته أهواؤهم. وإذا أمرهم أحد بمعروف أو نهاهم عن منكر سخروا منه, وهمزوه, ولمزوه, وازدروه, ورموه زورا وبهتانًا بكل ما يرون أنه يدنسه ويشينه.
وكثير منهم يأمرون بالمنكر, ويحسنونه للناس، وقد رأينا ذلك في مقالات لهم كثير منشورة, وهذا لا يصدر إلا من منافق لقول الله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَامُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ}.
وكثير منهم يرون بعض المعروف منكرًا, وبعض المنكر معروفًا، وقد رأينا ذلك في بعض كتب العصريين ومقالاتهم.
وبالجملة, فلا ترى أكثرهم إلا على أخلاق الفساق والسفهاء، راغبين عن أخلاق أهل العلم والدين، مجانبين لكل فضيلة ومقارفين لكل رذيلة، فهم الذين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وثبطوا غيرهم عن القيام بهما, وصارحوا بالعداوة والأذى لكل من أنكر عليهم شيئًا من أفعالهم السيئة، فصلوات الله وسلامه على عبده ورسوله المصطفى، الذي لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى.
وأكثر ما ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في البلدان التي يحلق علماؤها لحاهم, ويتشبهون بالنسوان والمردان والمجوس وطوائف الإفرنج وأضرابهم. وبسبب ذلك اشتدت غربة الدين, وغلب الجفاء على الأكثر, وهانت عليهم أوامر الشرع ونواهيه, فلا

الصفحة 14