كتاب روضة المحبين ونزهة المشتاقين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

وملائكته، وبه عرفت [3 ب] ايات ربوبيته، وأدلة وحدانيته، ومعجزات
رسله، وبه امتثلت أوامره، واجتنبت نواهيه. وهو الذي يلمح العواقب
فرا قبها، وعمل بمقتصد مصا لحها، وقاوم الهوى، فرد جيشه مفلولا،
وساعد الصبر حتى ظفر به بعد أن كان بسهامه مقتولا، وحث على
الفضائل، ونهى عن الرذائل، وفتق المعا ني، وأدرك الغوامصل، وشد أزر
العزم، فاستوى على سوقه، وقوى أزر ا لحزم حتى حظي من الله بتوفيقه،
فاستجلب ما يزين، ونفى ما يشين، فاذا ترك وسلطانه أسر جنود الهوى،
فحصرها في حبس " من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه " (1)، ونهض
بصاحبه إلى منازل الملوك، إذا صير الهوى الملك بمنزلة العبد
ا لمملوك، فهو (2) شجرة عروقها (3) الفكر في العواقب، وساقها الصبر،
وأغصانها العلم، وورقها حسن الخلق، وثمرها الحكمة، ومادتها توفيق
من أزمة الامور بيديه، وابتداؤها منه وانتهاوها إليه.
وإذا كان هذا وصفه، فقبيح أن يدال عليه عدوه، فيعزله عن مملكته،
ويحطه عن رتبته (4)، ويستنزله عن درجته، فيصيح أسيرا بعد أن كان
__________
(1) أخرجه أحمد في " مسنده " (5/ 363) عن رجل من الصحابة مرفوعا بلفظ: " إنك
لن تدع شيئا لئه الا بدلك الله به ما هو خير لك منه " واسناده صحيح.
(2) ش: " فهي ".
(3) ش: " عرقها"0
(4) " ويحطه عن رتبته " سافطة من ش.
12

الصفحة 12