كتاب روضة المحبين ونزهة المشتاقين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

علقه في حال بعده (1) عن وطنه، وغيبته عن كتبه، فما عسى أن يبلغ
خاطره المكدود (2) وسعيه المجهود، مع بضاعته المزجاة التي حقيق
بحاملها أن يقال فيه: "تسمع بالمعيدي خير من ان تراه " (3). وها هو قد
نصب نفسه هدفا لسهام الراشقين، وغرضا لاسنة الطاعنين، فلقارئه
غنمه، وعلى مؤلفه غرمه. وهذه بضاعته تعرض عليك، وموليته تهدى
إليك، فان صادفت كفؤا كريما لن تعدم منه إمساكا بمعروف أو تسريحا
بإحسان، وإن صادفت غيره فالله المستعان، وعليه التتكلان.
وقد رضي من مهرها بدعوة خالصة إن وافقت قبولا واستحسانا، وبرد
جميل إن كان حظها احتقارا واستهجانا. والمنصف يهب خطأ المخطىء
لاصابته، وسيئاته لحسناته.
فهذه سنة الله في عباده جزاء وثوابا. ومن ذا الذي يكون قوله كله
سديدا، وعمله كله صوابا؟ وهل ذلك إلا المعصوم الذي لا ينطق عن
الهوى، ونطقه وحي يوحى، فما صح عنه فهو نقل مصدق عن قائل
معصوم، وما جاء عن غيره فثبوت الأمرين فيه معدوم، فإن صح النقل
لم يكن القائل معصوما، وإن لم يصح لم يكن وصوله إليه معلوما
__________
(1) ت:"بعد".
(2) ت: " ا لكد ود ".
(3) المثل في " البيان والتبيين " (1/ 171، 237)، و" العقد الفريد" (2/ 288)، و" جمهرة
الامثال " (1/ 66 2)، و" مجمع الامثال " (1/ 9 2 1). يضرب لمن خبره خير من مراه.
23

الصفحة 23