كتاب غربة الإسلام (اسم الجزء: 1)

وهو صابر على ذلك في الله عز وجل، وكان المسلمون إذ ذاك مستضعفين يُشرّدون كل مُشرّد ويهربون بدينهم إلى البلاد النائية؛ كما هاجروا إلى الحبشة مرتين، ثم هاجروا إلى المدينة، وكان منهم من يُعذّب في الله ومنهم من يُقتل، فكان الداخلون في الإسلام حينئذ غرباء، ثم ظهر الإسلام بعد الهجرة إلى المدينة وعزّ، وصار أهله ظاهرين كل الظهور، ودخل الناس بعد ذلك في دين الله أفواجا، وأكمل الله لهم الدين، وأتم عليهم النعمة، وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمر على ذلك، وأهل الإسلام على غاية من الاستقامة في دينهم، وهم متعاضدون متناصرون، وكانوا على ذلك في زمن أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ثم عمل الشيطان مكائده على المسلمين، وألقى بأسهم بينهم وأفشا فيهم فتنة الشبهات والشهوات، ولم تزل هاتان الفتنتان تتزايدان شيئا فشيئا حتى استحكمت مكيدة الشيطان وأطاعه أكثر الخلق؛ فمنهم من دخل في طاعته في فتنة الشبهات، ومنهم من دخل في فتنة الشهوات، ومنهم من جمع بينهما، وكل ذلك مما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بوقوعه.
فأما فتنة الشبهات فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه أن أمته ستفترق على أزيد من سبعين فرقة، على اختلاف الروايات في عدد الزيادة على السبعين، وأن جميع تلك الفرق في النار إلا فرقة واحدة، وهي ما كانت على ما هو عليه وأصحابه - صلى الله عليه وسلم -.
وأما فتنة الشهوات ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كيف أنتم إذا فتحت عليكم خزائن فارس

الصفحة 12