كتاب غربة الإسلام (اسم الجزء: 1)

وتظن أنك وارث لَهُمُ وما ... ذقت الأذى في نصرة الرحمن
كلا ولا جاهدتَ حق جهاده ... في الله لا بِيَدٍ ولا بِلسان
منَّتْك والله المُحال النفسُ فاسـ ... ـتحدث سوى ذا الرأي والحسبان
لو كنتَ وارثه لآذاك الأُلى ... ورثوا عداه بسائر الألوان

وقد جاء وصف الغرباء في الأحاديث التي تقدم ذكرها في أول الكتاب بأنهم النّزّاع من القبائل، وأنهم الذين يصلحون إذا فسد الناس، وأنهم الذين يصلحون ما أفسد الناس من السنة، وأنهم الذين يتمسكون بالكتاب حين يُترك، ويعلمون بالسنة حين تطفأ، وأنهم قوم صالحون قليل في ناس سوء كثير، مَن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم، ومَن يبغضهم أكثر ممن يحبهم، وأنهم الفرّارون بدينهم من الفتن.
قال أبو عبيد الهروي: النُّزَّاع: جمع نازع ونزيع، وهو الذي نزع عن أهله وعشيرته أي بَعُد وغاب. انتهى.
وهذا التفسير من حيث المعنى اللغوي، والمراد بما في الحديث شيء آخر، وذلك أن الغربة نوعان: حسية ومعنوية.
فالحسية: مفارقة الأهل والعشيرة والأوطان، والنزوع منها إلى غيره كما قاله الهروي.
والمعنوية: مفارقة الأهل والعشيرة وأهل الوطن في الدين، ومباعدة ما هم عليه، حتى يكون بينهم كأنه غريب لا يألفهم ولا يألفونه.
والدليل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا بمكة غرباء وهم بين عشائرهم وقبائلهم، ولما هاجروا إلى المدينة وسكنوا مع إخوانهم في

الصفحة 127