كتاب غربة الإسلام (اسم الجزء: 1)

تغير، ومرجت فيها عهود الأكثرين وخفت أماناتهم، وكثر اختلافهم وخوضهم فيما لا يعنيهم، وكانوا حثالة وغثاء كغثاء السيل، قد قلّ فيهم الفقهاء العاملون، وكثر فيهم الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، وكثر فيهم الخطباء المتفصحون المتنطعون المتقعرون، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، ويأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون كتاب الله أفلا يعقلون، وكثر فيهم الذين يختلون الدنيا بالدين، ويلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب، وكثر فيهم إخوان العلانية أعداء السريرة، وكثر فيهم الذين يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر بألسنتها، بضاعتهم التملق بالكذب والتمادح بالباطل، إن أُعطي أحدهم قليلا من حطام الدنيا رضي وغلا في المدح وجاوز الحد في الإطراء، وإن لم يُعط سخط وأفرط في الذم وانتهاك الأعراض المحرمة بغيا وعدوانا.
وماذا يقولون لو رأوا أكثر المنتسبين إلى الإسلام يعظِّمون الكفار والمنافقين، ويتسابقون إلى تقليد أعداء الله في أقوالهم وأفعالهم، ويتنافسون في مشابهتهم والحذو على مثالهم؟ قد أعجبوا بزخارفهم الباطلة وآرائهم الفاسدة، وقوانينهم وسياساتهم الجائرة الخاطئة الفاجرة، وافتتنوا بمدنيتهم الزائفة الزائغة، وما تدعو إليه من الترف واتباع الشهوات، والأشر والبطر واللهو واللعب والغفلة عن الله والدار الآخرة، بل ما تدعو إليه من الإباحية والانحلال من دين الإسلام بالكلية، والبعد عن الفضائل ومكارم الأخلاق، والتحلي بالرذائل وسفساف الأخلاق،

الصفحة 24