كتاب غربة الإسلام (اسم الجزء: 1)

الملك والخلافة، وشتتهم في البلاد، ومزقهم كل ممزق، ببركة شيخ المعطلة النفاة، ولما اشتهر أمره في المسلمين، طلبه خالد بن عبد الله القسري، وكان أميرا على العراق حتى ظفر به، فخطب الناس في يوم الأضحى، وكان آخر ما قال في خطبته: أيها الناس، ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليما، ولم يتخذ إبراهيم خليلا، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا، ثم نزل فذبحه في أصل المنبر وكان ضحيته، ثم طفئت تلك البدعة، والناس إذ ذاك عنق واحد أن الله فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه، موصوف بصفات الكمال ونعوت الجلال، وأنه كلم عبده ورسوله موسى تكليما، وتجلى للجبل فجعله دكا هشيما، إلى أن جاء أول المائة الثالثة، وولي على الناس عبد الله المأمون، وكان يحب أنواع العلوم، وكان مجلسه عامرا بأنواع المتكلمين في العلوم، فغلب عليه حب المعقولات، فأمر بتعريب كتب يونان، وأقدم لها المترجمين من البلاد، فترجمت له وعربت، فاشتغل بها الناس، والملك سوق، ما ينفق فيه جلب إليه، فغلب على مجلسه جماعة من الجهمية، ممن كان أخوه الأمين قد أقصاهم، وتتبعهم بالحبس والقتل، فحشوا بدعة التجهم في أذنه وقلبه، فقبلها واستحسنها، ودعا الناس إليها، وعاقبهم عليها، فلم تطل مدته، فصار الأمر بعده إلى المعتصم وهو الذي ضرب أحمد بن حنبل، فقام بالدعوة بعده، والجهمية تصوب فعله، وتدعو إليه، وتخبره أن ذلك هو تنزيه الرب عن التشبيه والتجسيم، وهم الذين غلبوا على مجلسه وقربه، والقضاة والولاة منهم فإنهم تبع لملوكهم، ومع هذا فلم يكونوا يتجاسرون على إلغاء النصوص

الصفحة 475