كتاب غربة الإسلام (اسم الجزء: 1)

عديدة، وقتلوا الحاج قتلاً ذريعاً، وانتهوا إلى مكة فقتلوا بها من وصل من الحاج إليها، وقلعوا الحجر الأسود من مكانه، وقويت شوكتهم، واستفحل أمرهم، وعظمت الرزية، واشتدت بهم البلية.
وأصل طريقهم أن الذي أخبرت به الرسل قد عارضه العقل، وإذا تعارض العقل والنقل قدمنا العقل، وفي زمانهم استولى الكفار على كثير من بلاد الإسلام بالمشرق والمغرب، وكاد الإسلام أن ينهدم ركنه لولا دفاع الذي ضمن حفظه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ثم خمدت دعوة هؤلاء في المشرق وظهرت من المغرب قليلا قليلا، حتى استفحلت وتمكنت واستولى أهلها على كثير من بلاد المغرب، ثم أخذوا يطأون البلاد حتى وصلوا إلى بلاد مصر فملكوها، وبنوا بها القاهرة، وأقاموا على هذه الدعوى مصر حين بها هم وولاتهم وقضاتهم.
وفي زمانهم صنفت رسائل من أخوان الصفا، والإشارات، والشفا، وكتب ابن سينا فإنه قال: كان أبي من أهل الدعوة الحاكمية، وعطلت في زمانهم السنة وكتبها والآثار جملة إلا في الخفية، وشعار هذه الدعوة تقديم العقل على الوحي، واستولوا على بلاد المغرب ومصر والشام والحجاز، واستولوا على العراق سنة، وأهل السُنة فيهم كأهل الذمة بين المسلمين، بل كان لأهل الذمة من الأمان والجاه والعز عندهم ما ليس لأهل السنة، فكم أغمد من سيوفهم في أعناق العلماء! وكم مات في سجونهم من ورثة الأنبياء! حتى استنقذ الله الإسلام والمسلمين من أيدهم في أيام نور الدين وصلاح الدين، فابل الإسلام من علته بعدما وطن نفسه على العزاء،

الصفحة 477