كتاب غربة الإسلام (اسم الجزء: 2)

في العرب، وبينما كان ابن السعود سنة ألف وثمانمائة وأربعة عشرة يعد العدة لفتح سوريا، وهمَّته متينة، كان يخيل إلى العالم منه أن الوهابيين متدفقون على الشرق تدفقًا، وصانعون ما شاء الله من الإصلاح في الإسلام، غير أن ذلك ما قدر ليكون، فلما أيقن سلطان تركيا أنه لا يستطيع القضاء على الوهابيين استصرخ بطلا من مشاهير الأبطال وهو محمد علي، واستكفاه أمر القضاء عليهم، وكان هذا المقدام الألباني سيد مصر وأميرها واقفا حق الوقوف على قدرة أوربة وشدة بأسها وتفوقها، فدعا إليه ضباط من أهل الغرب، فنظموا له جيشًا قويًا، ودربوه تدريبًا على الطراز الغربي، وجهزوه بمعدات الأسلحة الغربية، وكان غالب هذا الجيش مؤلفًا من المقاتلة الألبانيين الأشداء، فسرعان ما أجاب محمد علي نداء السلطان، فأيقن حينئذ أن الوهابيين على شدة غيرتهم الدينية وحماستهم لن يستطيعوا بعد الوقوف بوجه البنادق والمدافع الأوربية يطلق عيارها جنود مجربون، وما هي إلا مدة قصيرة حتى استردت الأماكن المقدسة الحجازية، ورد الوهابيون على أعقابهم فانقلبوا إلى الصحراء، فاختفت الإمبراطورية الوهابية الوليدة للحال اختفاء، وأرخى الستار على الدور السياسي الوهابي، بيد أن خاتمة هذا الدور السياسي كانت فاتحة الدور الديني، فقد ظلت نجد بؤرة تشتعل فيها نار الغيرة الدينية ومنبثق النور تنبعث منه الأشعة الوهاجة إلى كل ناحية من نواحي الأرض، وما فتئ الوهابيون منذ قضي على قوتهم السياسية يبثون روح الحركة الدينية في مئات الألوف من الحجيج الوافدين كل عام إلى مكة والمدينة من كل قطر من أقطار العالم الإسلامي، فيقتبس هؤلاء نارًا وهابية، ثم يعودون إلى أوطانهم يشعلون بها ما استطاعوا إشعاله

الصفحة 512