كتاب جزء فيه ذكر اعتقاد السلف في الحروف والأصوات

على تحققه ونزوله، ويلزم من ذلك قدمه في الإجماع. فإن قيل: نسلم أن كلام الله قديم، ولكن لا نسلم كونه منزل، وما ذكرتم من الآيات والأخبار ودعوة الإجماع، كل ذلك لا يدل على أن القديم منزل، بل يدل على نزول هذه العبارة عن ذلك القديم، وليس ذلك إلا عين مذهبنا فإنا نسلم أن عبارة القديم ودلالته منزلة والكلام القديم عندنا غير ذلك وهو قائم بذات الله تعالى، ومستحيل نزوله وجميع الإطلاقات الواردة في الآيات والأخبار كلها بطريق المجاز لفهم الله منها ولما استحال نزول القديم وورود التغيرات عليه وجب حمل النزول في هذه الإطلاقات على المجاز ليكون ذلك تقريراً للقواعد العقلية ونسجاً على منوال اللغة في استعمال المجاز الصادف عن الحقيقة، على أنا أقول الكلام على بطلان مذهبكم من عشرين وجها: الأول: أن ماذكرتم مخالف لبديه العقل فيكون مردوداً لأنا نشاهد محال هذه الحروف قبل تسطيرها خالية عنها، ثم بعد ذلك نشاهدها1 موجودة، والقديم مستحيل بعد أن لم يكن. الثاني: هذه الحروف يلازمها التركيب وهو من لوازم الأجسام ولازم المحدث محدث. الثالث: يلزم تنجيس القديم فيما إذا كتب بالحبر النجس وقول ذلك قبح في الإسلام. الرابع: هذه الحروف المشاهدة في هذا المصحف المعين مثلاً إما أن تكون قديمة أو لا، والأول يلزم منه تعدد القدماء، ضرورة أنها غيرها. والثاني هو مذهبنا. الخامس: لو حلت الصفة القديمة بهذا المحل المعين فإما أن تفارق ذات البارئ أو لا، والأول يلزم منه خلو ذاته عن هذه الصفة. والثاني يلزم منه قيام الشيء
__________
1 في الأصل: نشاهد والصواب ما أثبتاه.

الصفحة 40