كتاب شرح القواعد الأربع

عند الله كالشفاعة عند المخلوق، يعتقدون أن الأولياء والملائكة يشفعون عند الله كما يشفع وزير الملك عند الملك، والصديق عند صديقه، وقد نفى الله هذه الشفاعة، قال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مّن قَبْلِ أَن يَاتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254] فالشفاعة التي يظن المشركون أنها تكون بغير إذن الله لا وجود لها يوم القيامة.
أما الشفاعة من الحي القادر بطلب الدعاء منه، فهذه جائزة، قد كان الصحابة يطلبون من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو لهم، في مطالب الدنيا والآخرة، كأن يستسقي لهم (¬1)، وأن يدعو لهم بالجنة، ولما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن سبعين ألفا من أمته يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب قال عكاشة بن محصن: أدعو الله أن يجعلني منهم، فقال: "اللهم اجعله منهم" (¬2)، والمسلم إذا دعا لأخيه المسلم وسأل الله له صلاح دينه ودنياه فهو شافع له.
الثانية: الشفاعة المثبتة: وهذه الشفاعة لا تكون إلا بإذنه سبحانه، ولمن رضي عمله وهم أهل التوحيد، وقد دل القرآن على إثبات هذه الشفاعة، قال تعالى: {وَكَمْ مّن مَّلَكٍ فِى السَّمَاواتِ لاَ تُغْنِى شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَاذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} [النجم: 26] وقال تعالى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، وقال تعالى: {مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 254]، معناه: لا أحد يشفع عند الله حتى يأذن الله له، ولهذا لما تُطلب الشفاعة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يبدأ بالشفاعة أولاً، وإنما
¬__________
(¬1) أخرج البخاري (1013)، ومسلم (897) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - " أن رجلا دخل يوم الجمعة .. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب .. فقال: يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا".
(¬2) رواه البخاري (6541) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ومسلم (216) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

الصفحة 18