كتاب شرح القواعد الأربع

السجود للشمس والقمر وأمر بالسجود لله الذي خلقهن، فهو تعالى المستحق أن يعبد، لأنه خالقهما، وقال الهدهد في شأن بِلْقِيْس: {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ} [النمل: 24]
والدليل على أن بعض الناس عبَد الملائكة والأنبياء قوله تعالى: {وَلاَ يَامُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيّيْنَ أَرْبَابًا أَيَامُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} فهذا دليل على أن من المشركين من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأنبياء.
والدليل على أن مِن الناس مَن عبَد بعض الأنبياء والصالحين، قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة:116 - 117] فهذه الآية فيها دلالة على الشرك بالأنبياء، فعيسى عليه السلام نبي، وفيها دلالة - أيضا - على وجود الشرك بالصالحين؛ فإن أمه من الصالحات.
والدليل على أن من الناس من يعبد الصالحين، قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهِمُ الْوَسِيلَةَ} فهؤلاء المعبودون المدعوون من دون الله هم يدعون ربهم ويبتغون إليه الوسيلة، ويرجون رحمته، ويخافون عذابه، فكيف تعبدونهم من دون الله؟
وقد قيل: إنها نزلت في الذين كانوا يعبدون الملائكة وعزيرا والمسيح (¬1)، وقيل: كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجن، فأسلم الجن، وتمسك هؤلاء بدينهم (¬2).
¬__________
(¬1) جامع البيان (9/ 1، ص 104) من قول ابن عباس رضي الله عنهما.
(¬2) صحيح البخاري (4714) من قول ابن مسعود رضي الله عنه.

الصفحة 22