كتاب شرح القواعد الأربع

وقول الشيخ: (أن يتولاك في الدنيا والآخرة) المراد: أن يكون وليّك، ومَن كان الله وليه في الدنيا والآخرة كفاه شرورهما، والله تعالى: {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الأنفال:40] وهو تعالى {وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:68]، فمن كان الله وليه فهو من المؤمنين، وقال يوسف عليه السلام: {رَبّ قَدْ اتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَاوِيلِ الاحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاواتِ وَالارْضِ أَنتَ وَلِىّ فِى الدُّنُيَا وَالاخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101].
ومن تولاه الله تعالى أصلح له أموره ويسرها له وكفاه ما يهمه، قال تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الاخِرَةِ} [فصلت:30 - 31].
وقول الشيخ: "وأن يجعلك مباركاً أينما كنت" المعنى أن يجعل الله فيك بركة في أي مكان كنت، وهذا ممَّا أثنى به عيسى عليه السلام على ربه حيث قال: {وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ} [مريم:31].
وهذا يتضمن الصلاح، فالمؤمن الصالح التقي يكون مباركاً أينما كان، مباركاً على أهله، مباركاً على أصحابه، لا يُسمع منه إلا القول السديد، ولا يحصل منه إلا الإحسان فتجده ليس بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء، بل هو كريم الأخلاق، لأن بعض الناس يكون ـ والعياذ بالله ـ شراً على جلسائه، وشراً على أهله بسوء أعماله، وقبيح أقواله.
وقول الشيخ: " وأن يجعلك ممن إذا أُعطي شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر"
لأن الإنسان يتقلب في هذه الحياة بين هذه الأمور: نعمة ومصيبة وذنب.
والنعمة تشمل الطاعة أيضاً؛ بل إن نعمة الإيمان والطاعة لله أعظم من النعم الدنيوية، وعلى المسلم الشكرُ إزاء النعم، والصبر عند المصيبة، والتوبة والاستغفار عند اقتراف الذنب، قال الله سبحانه وتعالى:

الصفحة 8