كتاب شرح الأصول الثلاثة

وما تتلو من القرآن الذي أوحاه الله إليك، وهذا أخص من قوله: {وَمَا تَكُونُ فِى شَانٍ}؛ وخصها بالذكر؛ لأن تلاوته للقرآن من أعظم شؤونه - صلى الله عليه وسلم -، {إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} هذا هو الشاهد، والمعنى: إلا كنا حاضرين وقت شروعكم فيه واستمراركم على العمل به، فراقبوا الله في أعمالكم وأدوها على وجه النصيحة والاجتهاد فيها، وإياكم وما يكرهه الله تعالى فإنه مطلع عليكم عالم بظواهركم وبواطنكم.
وكل هذه الآيات تدل على مقام الإحسان، وأن الله سبحانه وتعالى يرى عبده في جميع أموره، وفي جميع أحواله، فهو حاضر يسمع كلام العبد ويرى مكانه، ويعلم سره وعلانيته، {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} [القصص:69]، فإذا استحضر العبد ذلك كان من أسباب إقباله على ربه، وصدقه في عبادته، وتكميله للعبادة، ولكن بسبب الغفلة والذهول عن هذا الأمر يؤدي الإنسان العبادة بفتور، والمؤمن يؤمن بأن الله يراه، ولكن فرق بين الإيمان بهذا الأمر، وبين الشعور به واستحضاره.
وكثير من الناس لا يستحضر هذا الأمر، فهذا مقام عظيم، إنما يحققه الكُمَّل من المؤمنين.
وتقدم أن دين الإسلام ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان، وقد ذكرها الشيخ، وذكر أركانها ومعناها، وأدلتها من القرآن، ثم قال: (والدليل من السنة حديث جبرائيل المشهور عن عمر رضي الله عنه) أي: الدليل على ما تقدم كله من السنة النبوية، وإذا أطلق حديث جبريل يراد به هذا الحديث، وقد روى هذا الحديث مسلم عن عمر - رضي الله عنه - (¬1)، ورواه أيضاً هو والبخاري بلفظ مختلف قليلا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (¬2) (قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم إذ طلع علينا
¬__________
(¬1) رواه مسلم (8).
(¬2) رواه البخاري (50)، ومسلم (9).

الصفحة 34