كتاب شرح الأصول الثلاثة

" المهاجر من هجر ما نهى الله عنه" (¬1) من كل المعاصي.
يقول الشيخ: (والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وهي باقية إلى أن تقوم الساعة، والدليل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَئِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الارْضِ قَالْوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاء وَالْوِلْدانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} [النساء:97 ـ 99].) ففي هذه الآية دلالة على أن الملائكة توبخ الذين أسلموا وبقوا مستخفين لا يظهرون دينهم بل يُظهِرون أنهم على دين قومهم من غير ضرورة ولا إكراه مع قدرتهم على الهجرة، وتنذرهم سوء المصير؛ لأن الأرض واسعة يمكن للمضطهد والمستذل والمظلوم أن يتحول إلى نواحي أرض الله الواسعة ليجد مكاناً يراغم فيه الأعداء، واستثنى من الوعيد المستضعفين فقال: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ} الذين {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} (و) كذلك من الأدلة (قوله تعالى: {ياعِبَادِىَ الَّذِينَ ءامَنُوا إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِيَّاىَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت:56]). وهذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيها على إقامة الدين إلى أرض الله الواسعة حيث يمكن إقامة الدين، وأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم.
(قال البغوي رحمه الله تعالى) المفسر المعروف، حسين بن مسعود صاحب تفسير "معالم التنزيل" يقول: (سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين بمكة لم يهاجروا، ناداهم الله باسم الإيمان) (2) فإذا كان الإنسان في بلد الشرك والكفر، وهو لا يستطيع أن يظهر دينه؛ وجب عليه أن يهاجر ويفارق أرض المشركين وأرض الكفار.
¬__________
(¬1) رواه البخاري (10) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(2) معالم التنزيل 2/ 272 بمعناه.

الصفحة 40