كتاب شرح الأصول الثلاثة

(والدليل على الهجرة من السنة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها" (¬1)) فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق باب التوبة فلا يمكن لأحد أن يتوب، لا الكافر من كفره، ولا العاصي من معصيته، وفي الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمن مَن عليها، فذاك حين {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءامَنَتْ مِن قَبْلُ} [الأنعام:158] " (2).
وتقدم أنه - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة ثلاث عشرة سنة، ثم أُمر بالهجرة إلى المدينة، (فلما استقر بالمدينة أُمِر ببقية شرائع الإسلام مثل: الزكاة والصوم والحج والجهاد والأذان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من شرائع الإسلام)؛ لأنه في مكة أول ما فرض عليه من أركان الإسلام العملية: الصلوات الخمس، وفي المدينة أُمر ببقية شرائع الإسلام، وبعضهم يقول: إن الزكاة فرضت في مكة، ولكن تفاصيل أحكامها كان في المدينة، وفُرض الصيام في السنة الثانية من الهجرة فصام النبي - صلى الله عليه وسلم - تسع رمضانات فقط.
وفرض الحج في السنة التاسعة من الهجرة على الصحيح، وأُمر بالأذان للصلاة ولم يكن مشروعاً قبل ذلك، وشُرع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد فسُيَّرت السرايا والجيوش من المدينة لغزو الكفار وحربهم؛ لأن الدولة النبوية تكونت في المدينة.
يقول الشيخ: (أخذ على هذا عشر سنين) وهو في المدينة، (وبعدها توفي صلوات الله وسلامه عليه)، في ربيع الأول من السنة العاشرة؛ بل
¬__________
(¬1) مسند أحمد 4/ 99، وأبو داود (2479) من حديث معاوية - رضي الله عنه - وصححه الألباني في إرواء الغليل 5/ 33.
(2) رواه البخاري (4635)، ـ واللفظ له ـ ومسلم (157) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

الصفحة 41