كتاب رد الجميل في الذب عن إرواء الغليل
ومناسبة قولها عند دخول الخلاء، أو عند وضع الثياب، ظاهر جدًّا لمن له أدنى ذوق في الفقه.
فقد روى البخاري ومسلم، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أما أنَّ أحدَهم يقولُ حين يأتي أَهْلَهُ: بسم الله، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وجَنِّب الشَّيطانَ ما رَزَقْتَنَا. ثم قُدِّرَ بينهما في ذلك، أو قُصِيَ وَلَدٌ؛ لم يَضُرُّهُ شيطانَ أبدًا". لفظ البخاري.
فقوله: "جَنِّبْني" يشمل النظر والضَّرر، فالسُّنَّةُ يصدِّقُ بعضُها بعضًا، والقرآن يصدق السُّنَّة، كما في آية الأعراف.
وفي هذا العصر إذا لم يكن المشتغل بصناعة الحديث عنده فَهْمٌ للقرآن واطّلاع واسع للسُّنَّة؛ فلا أرى أنه يحكم على الحديث بمجرد النظر إلى الإسناد.
أما قول المستدرك: "وقد ذم السلف غرائب الأحاديث واشتهر عنهم هذا"!
فهو الغريب، لأن حديث علي وأنس - رضي الله عنه - موجودان في كافة كتب الفقه على اختلاف المذاهب، وحتى كتب الأذكار، فهو من الأحاديث المشتهرة التي لم ينظر العلماء إلى تعليل من عللها بل تلقوها بالقبول، وهذا من العلم الذي لا يفقهه إلا من فقه معنى قوله تعالى: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
قال شيخ الإسلام: "فالواجبْ أن يفرق بين الحديث الصحيح، والحديث الكذب، فإن السنة هي الحق دون الباطل، وهي الأحاديث الصحيحة دون الموضوعة، فهذا أصل عظيم لأهل الإسلام عمومًا، ولمن يدَّعي السنة خصوصًا" (¬1).
¬__________
(¬1) انظر: مجموع الفتاوى: (3/ 380).
الصفحة 106
382