كتاب رد الجميل في الذب عن إرواء الغليل

الغرائب والفرائد، ولعل من أكبر أسباب الأخطاء التي تقع في تقوية الأحاديث بكثرة الطرق أخذ تلك الطرق من كتب الفوائد والغرائب.
قلت: هذا كلام عجيب! لا يقوله إلا من لم يمارس علم رواية الأسانيد، وأنا أعذرك، لأن هذا العلم لم يعد يوجد في زماننا، فلم تتصور ما معنى أن يؤلف عالم كتابًا، ولو سماه الفوائد، ويسوق فيه أحاديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناده، ويكون الإسناد صحيحًا، ومن هنا حكمتَ على كل على كل ما سُمِّي بهذا بالضعف! وربما أنك لم تقف على شيء منها، فاعلم أن أهل العلم كانوا ولا زالوا يحتجون بما فيها من الروايات والطرق، وإليك بعض الأمثلة:
قال الحافظ ابن حجر:
"وهو ما أخرجه إسحاق بن راهويه، والمحاملي في "الفوائد الأصبهانية" من طريق أبي الزبير عن جابر قال: "اقتتل غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار ... " فذكر الحديث" (¬1).
وقال ابن عبد الهادي:
وقد روى البيهقي في "سننه" أنا أبو عبد الله الحافظ في "الفوائد الكبير" لأبي العباس وفي حديثه شعبة ثنا أبو العباس بن يعقوب ثنا بن إبراهيم بن مرزوق البصري ثنا أبو الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال: سمعت حجرًا أبا عنبس يحدث عن وائل الحضرمي: "أنه صلى خلف النبي - صلى الله عليه وسلم، فلما قال: ولا الضالين، قال: آمين، رافعًا بها صوته"، فهذه الرواية عن شعبة توافق رواية سفيان " (¬2).
وقال ابن دقيق العيد في "الإلمام":
"ونُصرت بالرعب يسير بين يديّ مسيرة شهر يقذف في قلوب أعدائي،
¬__________
(¬1) انظر: "فتح الباري" (6/ 546).
(¬2) انظر: تنقيح تحقيق أحاديث التعليق: (1/ 368).

الصفحة 108