كتاب رد الجميل في الذب عن إرواء الغليل
لا يَخْلُو هذا الْبَابُ من حَسَنٍ صرِيحٍ وَصحِيحٍ غَيْرِ صرِيحٍ" وغيرهم كثير.
أما إن كنتَ ترى أن هؤلاء جميعًا ليسوا على طريقة المتقدمين، وليس تحسينهم أو تصحيحهم بمعتبر، فاعلم أن من كبار أئمة الشأن من صحَّح الحديث، منهم: إسحاق بن راهويه قرين أحمد، فقد سُئل عن هذا الحديث، "قال إسحاق: كَمَا قال؛ إذا نسي أجزأه، وإذا تعمَّدَ أعادَ، لما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ " يعني التسمية على التيمم (¬1).
ونقل عنه تصحيحه أيضاً ابن المنذر في "الأوسط"، وهكذا صححه أبو بكر بن أبي شيبة من شيوخ أصحاب الكتب الستة، نقل ذلك عنه عدد من أهل العلم، منهم ابن عبد الهادي في "التنقيح".
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثبت لنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا وضوء لمن لم يسم" (¬2).
والمنذري في "الترغيب"، والحافظ ابن حجر في "التلخيص".
وهذا الحديث من أقوى الأدلة على بطلان قول من يفرق بين منهاج أهل الحديث المتقدمين ومن جاء بعدهم، وذلك أن طرقه كلها ضعيفة، ومع ذلك أثبتوه، ولتكن مقولة الذهبي المشهورة في الحديث الحسن منك على بال.
ثم وقفت على كلام بديع لشيخ الإسلام ابن تيمية وهذا نصه:
"قال أبو إسحاق الجوزجاني: قال ابن أبي شيبة: ثبت لنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا وضوء لمن لم يسم"، وتضعيف أحمد لها محمول على أحد الوجهين: إما أنها لا تثبت عنده، أولاً: لعدم علمه بحال الراوي ثم علمه، فبنى عليه مذهبه برواية الوجوب، ولهذا أشار إلى أنه لا يعرف رباحًا، ولا أبا ثفال، وهكذا تجيءُ عنه كثيرًا الإشارة إلى أنه لم يثبت عنده، ثم زال ثبوتها، فإن النفي
¬__________
(¬1) مسائل الإمام أحمد بن حنبل وابن راهويه لإسحاق بن منصور الكوسج: (1/ 99).
(¬2) انظر: تنقيح تحقيق أحاديث التعليق: (1/ 105).
الصفحة 119
382