كتاب رد الجميل في الذب عن إرواء الغليل
* الجواب:
قد أجاب ابن القيم عن هذا وقال: "هذا من الأحاديث المشكلة جدًّا، وقد اختلفت مسالك الناس في دفع إشكاله، فطائفة ضعفته منهم البخاري والشافعي، قال: والذي خالفه أكثر وأثبت منه.
وأما الحديث الآخر يعني هذا؛ فليس مما يثبت أهل العلم بالحديث لو انفرد.
وفي هذا المسلك نظر، فإن البخاري روى في "صحيحه" حديث ابن عباس - رضي الله عنه - كما سيأتي، وقال في آخره: "ثم أخذ غرفة من ماء فرشَّ بها على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها يعني رجله اليسرى، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ". ثم شرع يسرد بقية المسالك.
فهذا ابن القيم رحمه الله لم يوافق الشافعي والبخاري على تعليل الحديث، وبيَّن أن البخاري روى مثله من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -، وإليك بقية المسالك:
المسلك الثاني: أن هذا كان في أول الإسلام ثم نسخ بأحاديث الغسل.
وكان ابن عباس - رضي الله عنها - أولاً يذهب إليه، بدليل ما روى الدارقطني: حدثنا إبراهيم بن حماد حدثنا العباس بن يزيد حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل: أن علي بن الحسين أرسله إلى الربيع بنت معوذ يسألها عن وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر الحديث، وقالت: "ثم غسل رجليه، قالت: وقد أتاني ابن عم لك -تعني-ابن عباس- فأخبرته، فقال: ما أجد في الكتاب إلا غسلين ومسحين، ثم رجع ابن عباس عن هذا، لما بلغه غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجليه وأوجب الغسل" (¬1)، فلعل حديث علي وحديث ابن عباس - رضي الله عنه - كانا في أول الأمر، ثم نسخ، والذي يدل عليه أن فيه أنه مسح عليهما بدون حائل، كما روى هشام بن سعد حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: قال لنا ابن عباس: "أتحبون أن أحدثكم كيف كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يتوضأ؟ فذكر الحديث، قال: ثم اغترف
¬__________
(¬1) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى: 1/ 72، أخرجه الدارقطني في سننه: 1/ 96.
الصفحة 123
382