كتاب رد الجميل في الذب عن إرواء الغليل

"باب الأرواح جنود مجندة".
قال الحافظ: "فأورد البخاري هذا الحديث من الطريقين بلا إسناد، فصار أقوى مما لو ساقه بإسناده، وكان سبب ذلك أن الناظر في كتابه ربما اعتقد أن له عنده إسنادًا آخر، ولا سيما وقد ساقه بصيغة الجزم، فيعتقد أنه على شرطه وليس الأمر كذلك.
قلت: وللمتن شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم" (¬1).
"باب ما كان النبى- صلى الله عليه وسلم - يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول: لا أدري. أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي".
قال الحافظ: "والذي يظهر أنه أشار في الترجمة إلى ما ورد في ذلك، ولكنه لم يثبت عنده منه شيء على شرطه، وإن كان يصلح للحجة كعادته في أمثال ذلك" (¬2).
وقال في موضع آخر: "واقتصر المصنف على الاحتجاج بفعل ابن عمر لأنه أشهر من روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخول الكعبة، فلو كان دخولها عنده من المناسك لما أخل به مع كثرة أتباعه" (¬3).
وقال أيضًا: "ويذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قضى بالدين قبل الوصية" (¬4)، هذا طرف من حديث أخرجه أحمد، والترمذي، وغيرهما من طريق الحارث -وهو الأعور- عن علي بن أبي طالب قال: "قضى محمد - صلى الله عليه وسلم - أن الدين قبل الوصية، وأنتم تقرؤون الوصية قبل الدَّين"، لفظ أحمد، وهو إسناد ضعيف، لكن قال الترمذي: إن العمل عليه عند أهل العلم. وكأن البخاري اعتمد عليه لاعتضاده
¬__________
(¬1) انظر فتح الباري: (6/ 370).
(¬2) انظر فتح الباري: (13/ 290).
(¬3) انظر فتح الباري: (3/ 467).
(¬4) أخرجه أحمد في مسنده: (1/ 131)، والترمذي: (4/ 416)، وابن ماجه في سننه: (2/ 906).

الصفحة 60