كتاب رد الجميل في الذب عن إرواء الغليل

أبي حاتم، فقد نقل ابنه عنه أنه قال: أتيته مرات بعد فراغه من تفسير شيبان، وسألته أن يعيد عليَّ بعض المجلس، فقال تكرير ولم أسمع منه شيئًا. وقال معاوية بن صالح قال لي أحمد بن حنبل: اكتبوا عنه. ووثقه العجلي، وابن سعد، والنسائي، وابن قانع، ومحمد بن مسعود العجمي وآخرون.
ثم لو كان كل من وهم في حديث سرى في جميع حديثه حتى يحكم على أحاديثه كلها بالوهم لم يسلم أحد، ثم ولو كان ذلك كذلك؛ لم يلزمه منه الحكم على حديثه بالوضع، ولا سيما مع كونه لم ينفرد، بل توبع، ووجدت للحديث شواهد، فقد أورده الدارقطني: عن البغوي عن هاشم بن الحارث عن عبد الله ابن عمرو الرقي عن ليث بن أبي سليم عن ابن أبي مليكة به، وليث -وإن كان ضعيفًا- فإنما ضُعِّفَ من قبل حفظه، فهو متابع قوي.
وشاهده حديث ابن عباس، أخرجه ابن عدي من طريق علي بن الحسن بن شقيق أخبرني ليث عن مجاهد عن ابن عباس نحوه، وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس في أثناء حديث، وأخرجه الطبراني أيضًا من طريق عطاء الخراساني عن عبد الله بن سلام مرفوعًا، وعطاء لم يسمع من ابن سلام، وهو شاهد قوي" (¬1).
وهذا الذي قرَّره العلماء رحمهم الله، والذي عليه عامة أهل العلم بالحديث هو الذي عليه أمير المؤمنين في الحديث في عصرنا، فهو مع كونه مجدد علم الحديث والسُّنَّة في هذا الزمن -كما صرح بذلك أئمة العصر- إلا أنه لم يأت بجديد، ومع ذلك لم يقبل أن يكون مقلدًا لغيره في علم قضى فيه معظم عمره، وفتح الله عليه فيه ما لم يُفْتَحْ على غيره، وكانت غايته فيه الانتصار للسنة، فلم يشتغل فيه انتصارًا لمذهب، أو طلبًا للدنيا، بل فارق أباه لمَّا خيَّره: إما الموافقة على ما هو عليه من المخالفة في السنة، أو المفارقة؛ فاختار
¬__________
(¬1) انظر القول المسدد في الذب عن مسند أحمد: (ص 42).

الصفحة 67