كتاب رد الجميل في الذب عن إرواء الغليل

المفارقة، وكان قد قال لأبيه: أمهلني ثلاثة أيام أستخير الله. وهو لم يكن يملك شيئًا من أمر الدنيا، بهذا حدثني الشيخ نفسه، أسكنه الله الفردوس الأعلى، ورفع درجته في المهديين.
فالشيخ قضى حياته في جهاد، ولم يكن طلبه للعلم على سبيل التَّرف، وطلب الجاه والمحمدة عند الناس، بل كان همُّه نشر السُّنة، رَضِيَ مَنْ رَضِيَ، وسَخِطَ مَنْ سَخِطَ.
وصدق شيخنا الزاهد العلامة الحافظ عبد الله بن محمد الدويش -عليه رحمة الله- حيث قال لي: "منذ قرون لم يأت في علم الحديث مثل الشيخ ناصر؛ كثرة في الإنتاج، ودقة في التحقيق".
فلا يعرفُ الفضلَ لأهله إلا أهل الفضل، ونحن مع ذلك: لا ندَّعي عِصْمَةَ الشيخ من الخطأ في التصحيح، أو التضعيف، فهذا لم يكن ولا يكون لغيره، كما إننا لا نقبل ولا نرضى أن يُقَلَّلَ من شأنه، فالطعن فيه وأمثاله طعنٌ في السُّنة، والقول بأن منهجه يخالف منهج المتقدّمين! هذا جرح في الشيخ، لا يقوله من فطِنَ إلى عواقب هذه الكلمة على السُّنة وأهلها في هذا العصر وبعده، بل عليه هو إن لم يَتُبْ قبل أن يلقى ربه، فالناس في كل قرن يحتاجون إلى الأئمة ليقتدوا بهم، فإذا طُعِنَ فيهم، فقد الناس الثقة بدينهم، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ من الناس، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ العلماء، حتى إذا لم يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ الناس رؤوسًا جُهَّالاً؛ فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" (¬1) أخرجاه من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنها-.
كما ينبغي أن يُعْلَمَ أن علم العلل، ومعرفة أحوال الرجال، وسيلة لا غاية، فلا ينبغي الإغراق معه من غير معرفة بمقاصد الشريعة، والنظر إلى فتاوى الصحابة، وما كان مقبولاً عند جماهير العلماء من الأحاديث، وما كان مردودًا،
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري: (1/ 50)، وأخرجه مسلم: (4/ 2058).

الصفحة 68