كتاب رد الجميل في الذب عن إرواء الغليل

علمي والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني. فذكر الحديث وقد ورد من طريق أخرى بلا تردد، لكن راويها غير ضابط، وقد خولف، والمحفوظ ما أخرجه الشيخان بلفظ: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم- وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد" (¬1).
قلت: قال مسلم: وحدثنا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ وأبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ جميعًا عن بن عيينة: قال قُتَيْبَةُ حدثنا سُفْيَانُ عن عَمْرٍو عن أبي الشَّعْثَاءِ عن ابن عَبَّاسٍ قال: "أَخْبَرَتْنِي مَيْمُونَةُ أنها كانت تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في إِنَاءٍ وَاحِدٍ".
ثم قال: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وَمُحَمَّدُ بن حَاتِمِ قال إسحاق: أخبرنا وقال ابن حَاتِمِ: حدثنا محمد بن بَكْرٍ أخبرنا ابن جُرَيْجٍ أخَبرني عَمْرُو بن دِينَارٍ قال: "أَكْبَرُ عِلمِي وَالَّذِي يَخْطِرُ على بَالِي أَنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ أخبرني: أَنَّ ابن عَبَّاسِ أخبره: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كان يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ" (¬2).
وتأخير مسلم لرواية ابن جريج قد يشير إلى ما نقلته عن الحافظ من أنها معلولة، ويأتي مزيد بحث في الحديث القادم إن شاء الله.
والمقصود: أن استدراك الدكتور الخليل لم يكن على طريقة المتقدِّمين ولا المتأخرين! لا من حيث الصناعة، ولا من حيث الفقه، فإن حديث ابن عمر في البخاري وغيره: "كان الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يتوضَّؤون في زَمَان رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جميعًا" (¬3) لا يتعارض مع حديث الحكم والذي بعده وآثار الصحابة، فإنهم قيَّدوه فيما إذا خلت به، كيف وابن عمر هو راوي الحديث؟ والله ولي التوفيق.
* * *
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه: (1/ 101)، وانظر "فتح الباري لابن حجر: (1/ 300).
(¬2) أخرجه مسلم في صحيحه: (1/ 257)، وابن خزيمة في صحيحه: (1/ 57)، وأخرجه أحمد في مسنده: (1/ 366).
(¬3) أخرجه البخاري في صحيحه: (1/ 82)، وابن خزيمة في صحيحه: (1/ 102)، والنسائي في السنن الكبرى: (1/ 78)، وأبو داود في سننه: (1/ 20).

الصفحة 91