كتاب رد الجميل في الذب عن إرواء الغليل
طريق مسلم يرويه أيضًا محمد بن بكر البرساني عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس به، وعليه فإن محمد بن بكر البرساني له فيه طريقان؛ هذه واحدة. والأخرى: عن شعبة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس به، عند ابن خزيمة الحاكم، وهذا يدل على أنه جوّده، وهو مما يدل أيضًا على أن حديث سماك له أصل أصيل.
والعجيب أن جميع من تكلم على الحديث مما وقفت عليه أغفل هذه الفائدة فيما أعلم، ولله النعمة، والفضل، والثناء الحسن، فإن الفائدة الكبيرة منه هى صرفه لأحاديث النهي إلى كراهة التنزيه، وهى الفائدة المطلوبة بعينها من حديث الباب، وإلا فإن قوله: "لا ينجسه شيء"، يؤخذ من أحاديث أخرى كحديث بئر بضاعة، وبهذا يظهر السر فى قول عمرو بن دينار فى "صحيح مسلم": "وعلمي والذى يخطر على بالي أن أبا الشعثاء حدثني عن ابن عباس وذكر الحديث" أنه نسي لفظه ورواه بمعناه.
أما الإمام أحمد فإنه أعله بمخالفته للآثار.
وهى طريق صحيحة، لو لم تنقل مخالفة ابن عباس لابن عمر، وعبد الله ابن سرجس، فقد قال أبو عبيد (¬1): حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن أبي زيد المديني عن ابن عباس أنه سئل عن سؤر المرأة، فقال: "هي ألطف بنانًا وأطيب ريحًا".
وأقوى ضابط في اعتقادي في مثل هذا الاختلاف، هو وجود من عمل به من الصحابة، فإن لم يوجد غلب على الظن ضعفه، وهذه طريقة فقهاء الحديث المتقدِّمين، كالشافعي، وأحمد، وإسحاق وغيرهم، وهذا الحديث وُجِدَ من عمل به من الصحابة، ولله الحمد.
¬__________
(¬1) في "الطهور" (196)، وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 33) وعبد الرزاق (380)، وإسناده حسن.
الصفحة 98
382