قال ابن عباس: فاستأذن الحُرُّ لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل.
فغضب عمر حتى همَّ به، فقال له الحرُّ: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (199) سورة الأعراف وإن هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها وكان وقافاً عند حدود الله). (¬1)
فليت الأمة اليوم تكون وقافة عند حدود الله، إذا ذكروا تذكروا حتى تعود الأمة إلى عزها ومجدها، فلن يصلح هذه الأمة اليوم إلا بما صلح به أولها.
3 - أبو طلحة الأنصاري
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (كان أبوطلحة الأنصاري أكثر الأنصار بالمدينة نخلاً، وكان أحب ماله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب.
فلما أنزلت {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} قام أبوطلحة قال: يا رسول الله إن الله يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} وأن أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وأنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بخ! ذلك مال رايح، ذلك مال رايح. وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين ".
قال أبوطلحة: أفعل يا رسول الله. فقسمها أبوطلحة في أقاربه وبني عمه. قال عبد الله بن يوسف وروح بن عبادة (بخ! ذلك مال رايح) حدثني يحيى بن
¬_________
(¬1) رواه البخاري - فتح الباري (8/ 155) كتاب التفسير حديث (4642) طبعة الريان.