كتاب فتح الرحمن في بيان هجر القرآن

أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير) (¬1).

الدليل الثاني:
قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء.
قال العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله -:
(وقد نفي الله - سبحانه وتعالى - الإيمان عن مَنْ لم يُحَكِمّوُا النبيَّ فيما شجر بينهم نفياً مؤكداً بتكرار أداة النفي والقسم قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}. ولم يكتف - تعالى وتقدس - منهم بمجرد التحكيم للرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى يُضيفوا إلى ذلك عدم وجود شيء من الحرج في نفوسهم، بقوله جل شأنه: {ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}.
والحرج: الضيق بل لابد من اتساع صدورهم لذلك وسلامتها من القلق والاضطراب.
ولم يكتف - تعالى - أيضاً هنا بهذين الأمرين حتى يضموا إليها التسليم، وهو كمال الانقياد لحكمه - صلى الله عليه وسلم - بحيث يخلون ههنا من أي تعلق بهذا الشيء، ويسلموا ذلك إلى الحكم الحق أتم تسليم، ولهذا أكد ذلك المصدر المؤكد، وهو
¬_________
(¬1) المرجع السابق ص (384).

الصفحة 369