كتاب فتح الرحمن في بيان هجر القرآن

تولاهم بحكمه القدري، فنفذ فيهم ما شاء من أنواع التدبير، ثم تولاهم بأمره ونهيه، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، ثم ردوا إليه ليتولى الحكم فيهم بالجزاء، ويثيبهم على ما عملوا من الخيرات، ويعاقبهم على الشرور والسيئات، ولهذا قال: {أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ} وحده لا شريك له {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} لكمال علمه وحفظه لأعمالهم، بما أثبته في اللوح المحفوظ، ثم أثبتته ملائكته في الكتاب الذي بأيديهم، فإذا كان تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير، وهو القاهر فوق عباده، وقد اعتنى بهم كل الاعتناء في جميع أحوالهم، وهو الذي له الحكم القدري، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي - فأين للمشركين العدول عن من هذا وصفه ونعته، إلى عبادة مَنْ ليس له من الأمر شيء، ولا عنده مثقال ذرة من النفع ولا له قدرة وإرادة؟!.
أما والله لو علموا حلم الله عليهم وعفوه ورحمته بهم، وهم يبارزونه بالشرك والكفران، ويتجرؤون على عظمته بالإفك والبهتان، وهو يعافيهم ويرزقهم، لانجذبت دواعيهم إلى معرفته، وذهلت عقولهم في حبه، ولمقتوا أنفسهم أشد المقت، حيث انقادوا لداعي الشيطان، الموجب للخزي والخسران، ولكنهم قوم لا يعقلون) (¬1).

الدليل الخامس:
قال تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (26) سورة ص.
¬_________
(¬1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ص (260) تحقيق د / عبد الرحمن معلا اللويحق. طبعة مؤسسة الرسالة

الصفحة 371